منذ أكثر من أسبوعين سقطت الرمادي بعد معارك كرّ وفرّ لأشهر عدة، اشتدت في الأسبوعين الأخيرين قبل سقوطها، وقبل أيام سقطت تدمر في سوريا وبعدها مدينة سرت في ليبيا، ويبدو أن سقوط المدن سيستمر في أكثر من بلد بيد تنظيم الدولة، وحدث ذلك كله تحت طائلة الطائرات الأمريكية التي تمخر أجواء العراق يومياً، والطائرات السورية التي تهيمن على الأجواء في سوريا.
إن هذه الطائرات التي تقصف المدن لم تحرك ساكناً لقصف أرتال تنظيم الدولة التي تحركت لاحتلال تلك المدن، وكما قال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني: إن أمريكا لم تفعل شيئاً لوقف تقدم المتطرفين في الرمادي"، وحذّر كذلك من تسليم دير الزور السورية للتنظيم.
أما في الجانب الأمريكي، فوزير الدفاع آشتون كارتر قال: إن ما حدث كان على ما يبدو أن القوات العراقية أظهرت عدم الرغبة أو الإرادة في القتال، وقال جون ماكين إن في الحكومة الأمريكية من يشكك في وجود استراتيجية أمريكية للتعامل مع تنظيم الدولة.
والرئيس الأمريكي بدوره طالب في اجتماع الناتو: بزيادة دعم العراق في قتاله ضد تنظيم الدولة الذي يتمدد في العراق، وعلّق بايدن على ذلك بقوله: إنّ أمريكا تعهدت بتسريع إجراءات وتسليح الجيش العراقي.
فيما صرّح المتحدث باسم البيت البيض جوش ايرنس تعليقاً على ما قاله أوباما وبايدن: أنها عملية تدريب.. لا يمكن إنجازها في أسبوع!!
إن تصريحات الإدارة الأمريكية المتقدمة تبيّن بشكل واضح أن أمريكا غير مهتمة بتمدد تنظيم الدولة سواء في العراق أم في سوريا، ومستقبلاً في ليبيا وسيناء، والسبب في ذلك كما ذكره مسؤول أمريكي أيضاً: أن يتم فرض تنظيم الدولة كلاعب أساسي في حل المشكلة مستقبلاً؛ وذلك من خلال إظهاره كقوة لها القدرة على السيطرة على مناطق واسعة في العراق، مع إمكانية تهديده للمناطق الشيعية والعاصمة بغداد، ولكن من دون دخولها فعلاً.
والأمر نفسه ينطبق على سوريا، ومستقبلاً ربما ليبيا الذي ظهرت بوادره باحتلال سرت والتقدم نحو آبار النفط.
إن تقدم تنظيم الدولة بهذا الشكل قد أوجد مخاوف حتى لدى بريطانيا، فصحيفة صنداي تايمز قالت: إن السفارة البريطانية تستعد لإخلاء موظفيها وإتلاف الوثائق السرية جرّاء المخاوف التي يشكلها تنظيم الدولة، فضلاً عن أنّ المسؤولين البريطانيين في العراق يقولون: إنَّ جهود الجيش العراقي لطرد التنظيم فشلت فشلا ذريعاً.
وفي تبرير آخر لفشل الجيش العراقي قال أحد المحللين: إنَّ نوري المالكي أبعد العديد من الكفاءات العسكرية، مما أضعف قدرات الجيش العراقي في الإدارة والتخطيط، بينما تنظيم الدولة استفاد ولديه تقنيات أفضل من الجيش العراقي.
إنَّ عدم جدية القوات العراقية والسورية في محاربة التنظيم وغض النظر من قبل الطائرات الأمريكية عن تحركات التنظيم أدت إلى سيطرة تنظيم الدولة على الموصل قبل عام؛ والرمادي وتدمر والمعابر الحدودية بين العراق وسوريا؛ وذلك بهدف إظهاره بمظهر القادر على التمدد والسيطرة على أراضٍ ومدن أخرى، لجعله لاعباً أساسياً في أي حلِّ مستقبلي سواء في العراق أم في سوريا، وربما في ليبيا أيضاً.
إنَّ عمالة حكام بلاد المسلمين أدت إلى تفتت البلاد ووقوعها تحت سيطرة تنظيمات مسلحة أو ميليشيات بهدف إضعافها وتمكين دول الاستعمار من السيطرة عليها والتحكم في مواردها وخيراتها، وفرض من تريد من العملاء وتبديليهم حسب المستجدات.
كل ذلك لإبقاء المسلمين تحت هيمنة الكافر المستعمر؛ لأنه وجد هذه الأمة لا زالت حية تتوق للعودة إلى دينها واستئناف حياتها على أساس الإسلام، وبدأت تدرك أن طريق ذلك لا يكون إلا بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي لاحت بشائرها، وما أحداث سوريا التي ما زالت عصيّة على أمريكا إلا لأنَّ المسلمين فيها لا يريدون إلا الخلافة، وليس ائتلاف أمريكا العميل وغيره من الواجهات المأجورة.
أما في العراق فإنَّ بوادر التقسيم ظاهرة للعيان من خلال تمكين التنظيم من احتلال المناطق التي تسمى مناطق السنة؛ وذلك لإقامة إقليم سُنّي على غرار إقليم كردستان في الشمال.
إنَّ سعي الكافر المستعمر لتقسيم بلاد المسلمين آن أوان إيقافه؛ وذلك بظهور الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، الذي سيقلب الموازين ويُعيد للمسلمين عزهم ومكانتهم في العالم بتنفيذ أحكام الإسلام في دولة الخلافة وحمل الإسلام قيادة فكرية إلى بقية العالم بالدعوة والجهاد ليعمَّ الخير أرجاء المعمورة وما ذلك على الله بعزيز. ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]
رأيك في الموضوع