في ليلة الجمعة وقبل بدء التظاهرات ألقى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خطاباً مسجلاً رفض فيه الاستقالة ووعد بتعديل وزاري وتجميد عمل مجالس المحافظات وتخفيض رواتب بعض المسؤولين في محاولة للتغطية على الفساد الذي ينخر بكل مفاصل الدولة.
وفي فجر الجمعة 25/10/2019 انطلقت التظاهرات في بغداد واستطاع المتظاهرون دخول المنطقة الخضراء ثم انسحبوا منها، وعمت التظاهرات كافة المحافظات الجنوبية، وتصدت القوات الأمنية بقسوة شديدة أيضاً للمتظاهرين وأطلقت النار والغاز المسيل للدموع في مدن عدة مما أدى إلى قتل العشرات وجرح المئات، وقام المتظاهرون باقتحام مقرات الأحزاب وحرقها في مدن الجنوب، وأطلقت مليشيات مسلحة النار على المتظاهرين وقامت مركبات حكومية بدهس المتظاهرين في البصرة، وحدثت حالة من الفوضى في مدن الجنوب بسبب هروب منتسبي الشرطة واستيلاء المتظاهرين على عجلاتهم خاصة في مدينة البصرة، وأصيب أيضاً عدد من مراسلي القنوات الفضائية، واستمرت التظاهرات يوم السبت أيضاً وبقوة من بغداد مروراً بكل مدن الجنوب وإلى البصرة، ورغم حظر التجوال في كافة المحافظات الجنوبية إلا أن التظاهرات لم تتوقف وعبر المتظاهرون عن حقدهم من حكام البلاد بالهجوم على بعض منشآت الدولة مثل أبنية المحافظات ومقرات الأحزاب فقاموا بالسيطرة عليها وحرق بعضها.
وأيضاً تصدت القوات الأمنية بقوة مفرطة حيث أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والعيارات النارية في محاولة لتفريق التظاهرات وخاصة في ساحة التحرير في العاصمة بغداد.
وأصدر الطلبة من خلال موقع التواصل الإلكتروني بيانات تحث طلبة المدارس والجامعات والأساتذة على مؤازرة المتظاهرين وذلك بإعلان العصيان وعدم الدوام لمدة أسبوع وذلك للضغط على الحكومة من أجل إجبارها على الاستقالة التي أصبحت مطلباً قوياً لدى المتظاهرين بعد أن كان مطلبهم يتلخص بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم من تغلغل النفوذ الإيراني في العراق فقاموا بحرق صور الخميني وخامنئي، وفي كربلاء احتلوا القنصلية الإيرانية.
وتحركت بعض العشائر لمساندة المتظاهرين وهددت بحمل السلاح بوجه المليشيات مما ينذر بخطر حرب أهلية وخاصة في محافظة بابل.
ومن جانبه فشل مجلس النواب في الانعقاد لعدم حضور غالبية أعضائه الذين يعتقد أنهم غادروا العراق هرباً من غضب المتظاهرين. واجتمع رئيس مجلس النواب بعدد من المتظاهرين في ساحة النسور ببغداد ووعد بتنفيذ مطالبهم.
إن التظاهرات التي خرجت سواء في العراق أو غيرها من دول المنطقة هي نتيجة طبيعية لفشل حكام المنطقة في إدارة الدول التي يتسلطون عليها والتي نصبهم عليها أسيادهم في الدول الكبرى الاستعمارية لحراسة مصالحهم ورعايتها بدلاً من رعاية مصالح الناس الذين يحكمونهم، وإن فساد النظام الذي يطبق على الناس هو العامل الرئيسي لما نشاهده من ظلم وخراب في بلادنا، إضافة إلى تسلط شرذمة من المجرمين العملاء الذين جعلوا البلاد مقاطعات تحكمها مافيا مسلحة تعتقل وتقتل وتشرد كل من يقف في طريقها.
ولا تزال هذه الفئة المجرمة متمسكة بالسلطة رغم مطالبة المتظاهرين بضرورة إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تستجيب لمطالبهم، ويظهر ذلك واضحاً من خلال رفض رئيس الوزراء الاستقالة ومن خلال بيانات أصدرتها بعض أحزاب السلطة مثل ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نوري المالكي والذي طالب بالضرب بيد من حديد كل من يهدد الأمن. وكذلك تهديد قيس الخزعلي وهادي العامري بالأخذ بالثأر لمقتل مدير مكتب العصائب في مدينة العمارة.
ويبدو أن قادة الأحزاب والمليشيات المسلحة لم يعوا الدرس بعد، فبدلاً من البحث في أسباب اندلاع التظاهرات وإيجاد الحلول نراهم يهددون ويتوعدون ويعتقدون أن أمريكا التي جعلتهم حكاماً للعراق ستستمر بدعمهم، وينسون أن سيدهم الأمريكي سيلفظهم ويستبدل بهم آخرين إذا ما استمرت هذه التظاهرات ولم يتمكنوا من السيطرة عليها واحتوائها.
وهؤلاء الحكام وأسيادهم واهمون، فإن الأمة قد لفظتهم وقالت كلمتها أن لا مكان لكم في هذه البلاد، وإذا تمكن هؤلاء اليوم من رقاب الأمة فإن الأمة لن تسكت ولن تقبل بالظلم وسيأتي اليوم الذي يحصل فيه التغيير الجذري الذي يقلع العملاء وخونة الأمة ليس من العراق فحسب ولكن من كل بلاد المسلمين وما ذلك اليوم ببعيد. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾
رأيك في الموضوع