انعقد في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 28/5/2015مؤتمر الدول المانحة (AHLC)لمساعدة بعض الدول، وخاصة فلسطين لإعادة إعمار غزة...وكان من ضمن القرارات الصادرة عن هذه القمة الأوروبية إقرار الدفعة الأولى من المساعدة المالية المقررة لتونس والبالغة قيمتها (70 مليون يورو).. فقد ذكر موقع (جريدة التونسية) بتاريخ 28/5/2015: "أن الاتحاد الأوروبي منح تونس هبة تفوق 70 مليون يورو؛ (حوالي 152 مليون دولار) وذلك في إطار برنامج "امبرلا" للديمقراطيات الناشئة، وفق ما أعلنت عنه الأربعاء ببروكسيل نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، (فريديريكا موغيريني)، وأوضحت موغيريني خلال ندوة صحفية مشتركة انتظمت بمقر المفوضية عقب لقاء جمعها برئيس الحكومة (الحبيب الصيد)، أن هذه الهبة تهدف إلى تمويل المشاريع والبرامج التي ستختارها تونس؛ خاصة في مجال التنمية الجهوية وتشغيل الشباب.. وقالت موغيريني: "إن هذه الاتفاقية تعتبر من أهم مكونات خطة العمل بين تونس والاتحاد الأوروبي؛ والذي ستصبح تونس بمقتضاه شريكا مميزا لأوروبا"... وبينت أن لقاءها برئيس الحكومة "تناول كذلك مقاومة الإرهاب، والوضع بليبيا والبحث العلمي".
إن المتابع لموضوع سياسة المساعدات المالية - من قبل الدول الغربية لبلاد المسلمين -، فإنه يرى أن هذه السياسات - في موضوع المساعدات والقروض -؛ تصب في دائرة الخراب والدمار والسيطرة السياسية، ونهب ثروات الشعوب والسيطرة على أسواقها ومقدراتها، والتحكم في كل القرارات السياسية لهذه البلاد؛ الداخلية منها والخارجية..، وهذه المساعدات سواء صدرت من قبل دول أوروبية منفردة أو مجتمعة؛ عن طريق الاتحاد الأوروبي، أو صدرت عن طريق الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية المتحكمة بسياستها؛ مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي!!..
أما ما يتعلق بتونس الأبية على وجه الخصوص، فإن هذا البلد الثائر في وجه الظلم والتسلط السياسي والاستبداد، وفي وجه محاولات طمس هويته الإسلامية، كان أول الدول التي ثارت في وجه الظلم سنة 2010، ومنذ ذلك التاريخ والمؤامرات السياسية والتضليل يحاك ضد أبنائه لحرفهم عن جادة الاستقامة والصواب، والمسار الصحيح... فقد رفض أبناء تونس الأعزاء بدينهم وحضارتهم العريقة كل محاولات التضليل؛ التي جاءت بعد المخلوع (بن علي)؛ ابتداءً من حكومة (فؤاد المبزغ.. والغنوشي)، مروراً بالمجلس التأسيسي، ثم التشريعي، ثم انتهاءً بالانتخابات الأخيرة، التي أفرزت هذه الطغمة الظالمة العميلة حتى نخاعها، السائرة على خُطا الطاغية المخلوع.. وفي الفترة الأخيرة صار أهل تونس - ونتيجة ازدياد الوعي عندهم - يدركون أسباب الفقر والتردي الاقتصادي، ويدركون حقيقة الحكومات المتعاقبة عليهم، فصارت الأصوات تزداد في هذا البلد لتحرير الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية والأسواق، من سيطرة الطغاة وأسيادهم في الخارج.. لذلك صارت الأنظار تصوّب وتركّز نحو تونس، حتى لا تنفلت الأمور من عقالها نحو الانعتاق الحقيقي الصحيح.. وخاصة أن تونس يعيش أصعب الأوضاع الاقتصادية في البلاد الإسلامية في موضوع الفقر والبطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي..؛ فقد جاء في النشرة الصادرة عن (البنك المركزيالتونسي) خلال الثلاثيّة الأولى من سنة 2015: "بلغت نسبة البطالة في تونس 15.2%.، لكن هذه النسبة تظلّ عامة ولا تعكس بدقّة واقع التشغيل في تونس، حيث يتجاوز معدّل البطالة في المناطق الغربيّة للبلاد 25%. أمّا بالنسبة لخرّيجي الجامعات فتتراوح النسبة بين 31% و57% خلال سنة 2014 في محافظة سيدي بوزيد... وقد بلغت ديون تونس الخارجيّة خلالشهر مارس من سنة 2014ما يقارب 25 مليار دينار، مستنزفة بذلك 40% من الناتج المحليّ الخام، أمّاميزانيّة 2015فقد كشفت تطوّر الديون الخارجيّة بنسبة 2.2% خصوصا مع التصريحات المتتالية للمسئولين الحكوميّين عن انعدام الحلول لمواجهة تفاقم مشكلة المديونيّة، وأنّ الدولة ستكون مضطرّة لاقتراض ملياري دولار خلال السنة الجارية؛ لتوفير نفقات التسيير والتصرّف والإيفاء بتسديد خدمات الديون التي ارتفعت لتبلغ 4600 مليون دينار...".
لذلك فإن الغرب؛ بقرنيه الأوروبي والأمريكي ينظر بعين الخطورة لهذا البلد السائر على خُطا الوعي والإدراك الصحيح، ويحاول جاهداً أن يحرف هذه الخُطا عن مسارها بطرق عدة؛ منها التضليل السياسي والفكري في مسألة الحكم، ومنها الإفساد الأخلاقي المتعمد، ومنها إثارة الفتن بين الناس، وزرع الخلافات بين الأحزاب السياسية، ومنها المساعدات المالية المشروطة بشروط كثيرة؛ كهذه الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها مساعدات مالية مشروطة لتونس، ففي 15/5/2015 خلال لقاء جمع (الباجي السبسي)؛ رئيس تونس مع أوباما رئيس أمريكا في واشنطن، قال أوباما: "بأن المساعدات المقررة لتونس، مشروطة بما تحرزه تونس من تقدم على صعيد إنجاز الانتقال الديمقراطي، إضافة إلى اشتراط وضع آلية أمريكية لمراقبة مدى وصول وتوجيه المساعدات التي يمكن أن تقدّمها واشنطن إلى المجالات المخصصة لها في تونس.." وقال كذلك بأن"أمريكا سترفع تونس إلى مرتبة العضو غير الشريك في الحلف الأطلسي".
وكانت العاصمة الأوروبية بروكسل قد صرحت في أيار 2012 على لسان (ادريانوسكوسترنروجت) سفير الاتحاد الأوروبي في تونس في مؤتمر صحفي قال: "لن يتم صرف تمويلات أوروبية بقيمة 100 مليون يورو، إضافة إلى تمويلات المانحين مثل البنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية إلا بعد تطبيق المرسومين 115 و116 المتعلقين بقطاع الإعلام... وقد أعربت بروكسل عن خيبة أملها إثر إصدار تونس حكما قضائيا على نبيل القروي؛ بسبب عرضه فيلم (برسيبوليس) الإيراني الفرنسي، الذي يقال إنه تضمن تجسيدا للذات الإلهية، داعية تونس إلى مراجعة القوانين التي تحد من حرية التعبير....".
وفي الختام نقول: بأن موضوع تونس وأزماته الاقتصادية لا تحل عن طريق قطرات الندى، التي توضع في فم الصادي شديد العطش، وإنما يحتاج هذا العطشان إلى نهرٍ متدفق ينبع من قلب أرضه وثرواته الغزيرة الكثيرة، والتي تنهبها قوى الظلم داخل تونس لصالح الشركات الأجنبية..
وهذا الأمر لا يتحقق إلا إذا خُلعت هذه الطغمة السائرة على طريق من سبقها من عملاء سياسيين بورقيبة وبن علي، وأخذت الأمة المبادرة داخل تونس بنفسها، وطهرت البلاد والعباد من التبعية السياسية، وبنت دولتها على أساس فكرها الصافي الصحيح؛ (فكر الإسلام)، ورفعت المخلصين من أبنائها أصحاب الوعي والإخلاص والتقوى إلى سدة القيادة وسارت خلفهم بتضحية وإخلاص.
رأيك في الموضوع