لقد بات واضحاً أنّ قرارات توسيع التدخل الأمريكي في العراق واقعية سواء بالإعلان عن إرسال مئات الجنود بحجة التدريب وتقديم الدعم والحماية للجيش العراقي، أو بالتمهيد لبناء قواعد عسكرية جديدة إضافة إلى القواعد الموجودة، وهذا ما صرح به رئيس هيئة الأركان الأمريكية، الجنرال مارتن ديمبسي حيث قال "إن الولايات المتحدة قد توسع تدخلها في العراق في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية""، حيث أشار ديمبسي إلى "إمكانية إنشاء المزيد من القواعد العسكرية لمساعدة القوات العراقية في قتال التنظيم الذي يسيطر على مساحات شاسعة من الأرض هناك".
ثم أشار إلى إمكانية إقامة معسكرات أمريكية جديدة أخرى بعد قاعدة "التقدم" في الأنبار التي أعلن عنها المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ستيف وارن في 11/6/2015 التي ستؤوي العسكريين الأمريكيين ال450 الإضافيين الذين أمر الرئيس باراك أوباما بإرسالهم إلى العراق قد تكون الأولى في سلسلة قواعد عسكرية أمريكية جديدة في هذا البلد. وقال "ما نفعله في التقدم هو أمر نفكر بفعله في أمكنة أخرى"، وذلك بالتوازي مع استعادة الجيش العراقي مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وقال الجنرال الأمريكي مارتن ديمبسي "ننظر على الدوام في ما إذا كانت هناك ضرورة لمواقع أخرى"، مضيفا "بوسعي أن أرى (مثل هذه المواقع) في ممر بغداد - تكريت - كركوك نحو الموصل" ثاني كبرى مدن البلاد ومركز محافظة نينوى.
إن هذا الكمّ من القواعد الأمريكية التي يُراد إقامتها في العراق في الوقت الحاضر بالإضافة إلى القواعد التي أقامها المحتل الأمريكي أيام غزوه للعراق والتي يبلغ عددها ست قواعد ضخمة فيها عدد كبير من القوات العسكرية الأمريكية، وهذا ما صرح به عضو لجنة النزاهة النائب عن كتلة الأحرار جواد الشهيلي في 27/7/2013 بأن الحكومة العراقية تحاول الاستعانة بالدعم اللوجستي والاستخباراتي للقوات الأمريكية نتيجة فشلها بإدارة الملف الأمني، حيث أكد وجود ست قواعد عسكرية أمريكية في العراق.
وبين عضو لجنة النزاهة البرلمانية أن هذه القواعد "موجودة في شمال بغداد وجنوبها بالإضافة إلى محافظتي نينوى وصلاح الدين".
وأضاف أن "هذه المعلومات جاءت استناداً إلى المخاطبات الرسمية بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء والسفارة الأمريكية في العراق"، مشيراً إلى أن "أمريكا لا تستطيع الخروج من العراق وأن خروج قواتها الذي حدث كان خروجاً صورياً".
واعتبر الشهيلي أن "المفاجئ بالأمر هو أن عدد القوات الأمريكية، التي يُدعى أنهم مدربون والآليات الموجودة، فوق المتوقع، مؤكداً "وجود شخصيات كبيرة جداً في السفارة الأمريكية تحاول السيطرة على زمام الأمور وعلى القرارات في العراق ودول الجوار".
وأكد أن "أمريكا ما زالت تتدخل في الشأن السياسي العراقي مع الأسف، حيث ظهر تدخلها جلياً في بعض القرارات التي صدرت مؤخراً من قبل القيادة العراقية، بالإضافة إلى تحكمها ببعض القرارات الاستراتيجية"، متوقعاً أن "يكون هنالك تدخلاً أمريكياً في أية لحظة".
ولا نكشف سراً إذا قلنا بأنّ السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم تُستخدم كمراكز للتجسس ولإدارة عمليات سرية. فالسفارات الأمريكية تدير شبكة مكونة من منظمات تعمل على خلق المآسي والجراح للناس، تمتد من أمريكا الجنوبية حتى إندونيسيا. والدبلوماسيون العاملون في تلك السفارات متطفلون على الأمور الداخلية في البلدان التي تستضيفهم، وهو ما يعتبرونه جزءاً من مهامهم الوظيفية، فهم يأمرون وينهون بحسب ما تقتضيه المصلحة الأمريكية.
إنّ هذا التوسع العسكري الأمريكي في العراق خاصة وفي المنطقة عامة يذكرنا بالإمبرياليين البريطانيين حين نشروا جنودهم في المنطقة تحت ذريعة حماية الشركة الشرقية الهندية. وبشكل تدريجي توسعت تلك المهمة لتشمل بناء حصون ونشر آلاف الجنود في المنطقة، حتى تمَكَّن الكفار من حكم المسلمين مباشرة.
فأمريكا ترى أنّ وجود قوات أمريكية وقواعد أمريكية كافية في العراق يضمن لها السيطرة على الأرض بطريقة أكثر فعالية، وذلك لأن حفنة المرتزقة الذين جاءت بهم إلى حكم العراق غير قادرين على إدارة حكمه وتحقيق الاستقرار فهم مشغولون بسرقة العراق وبصراعاتهم الطائفية وبذلك يضمن لها الإشراف المباشر على تنفيذ خططها القديمة الحديثة الرامية إلى تقسيم العراق إلى أقاليم على أسس طائفية وقومية خاصة في ظل تزايد تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تتناول فكرة التقسيم، والتي كان آخرها على لسان السيناتور الديمقراطي جو مانشين دلاوير الذي قال: "إننا جرّبنا - في العراق - كل شيء آخر بدون جدوى"، واقتبس مقولة تشرشل الشهيرة لدعم رأيه هذا: "إنّ الأمريكيين سيفعلون الشيء الصحيح بعد محاولة كل شيء آخر"، وأضاف: "إنّ الوقت قد حان لتناول الفكرة - تقسيم العراق - مرةً ثانية".
فأمريكا بعد أن أشعلت فتيل الطائفية وأججت نارها أخذت تستغل هذا الصراع الطائفي في العراق لتقطيع أوصاله، ولرسم حدوده الجديدة بسفك المزيد من دماء المسلمين، وتدمير بلدانهم، وذلك من خلال التدخل المباشر في كثير من القضايا السياسية المهمة وتقرير مصائر الناس وبما يتفق مع رؤيتها ومصالحها حتى ولو على حساب دماء وأرواح الناس بينما لا أحد من قادة المسلمين بمن فيهم العراقيون والإيرانيون - على وجه الخصوص - يعترض جديًا على تعاظم الوجود الأمريكي في العراق من خلال نشر قواعد جديدة بل وعلى العكس من ذلك نجد أنّ أكثرهم لهذا الوجود من الراغبين المرحّبين المطبلين بل سمحوا لأعدى أعداء المسلمين، وللجيش الذي اغتصب بنات المسلمين ودنس القرآن وقتل الآمنين ودمر المساكن على رؤوس أهلها وأشعل نار الطائفية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، ببناء قواعد عسكرية جديدة في جميع أنحاء البلاد، فبدلاً من منع أمريكا من التغلغل في البلاد فإنّ حكومة الاحتلال يمدونها بما تحتاجه لبناء تلك القواعد في ظل تطمينات كاذبة للناس.
إن المؤامرة عظيمة ومكر أمريكا بأهل العراق والمنطقة كبير والمعركة على أشُدِها؛ فأمريكا باتت تتحسس خطورة الوضع وتفلت الأمور من بين يديها وأن موازين القوى لم تعد في صالحها كما كانت، وأن هناك دولة تخشى أمريكا قيامها وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وعليه يجب على المسلمين في العراق وفي غيرها من بلاد المسلمين أن لا يُمكّنوا أمريكا وأتباعها وأذنابها من تمرير هذه المؤامرة الجديدة لتمزيق العراق، وأن لا يسمحوا لهم بإقامة كيانات طائفية هزيلة، وأن يقفوا لهم بالمرصاد، وسوف لن تجني أمريكا بإذن الله من مؤامراتها تلك إلا الخيبة والاندحار، وسيبقى العراق موحدًا، بل وسيندمج في نهاية المطاف مع الشام وسائر بلاد المسلمين في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]
بقلم: علي البدري - العراق
رأيك في الموضوع