أوردت وكالة أنباء رويترز مقالا عن منظمة تقييم الوضع المالي للدول "ستاندارد آند بور" أن البنوك التركية تعاني من أزمة القروض المتعثرة حيث ستصل نسبة القروض المتعثرة في القطاع البنكي التركي 8% من مجموع القروض الممنوحة من البنوك، وبالتالي فإن الاقتصاد التركي سيواجه مشاكل صعبة للغاية. وذلك يعني أن ما مجموعه 188 مليار ليرة تركية سوف تصبح ديونا معدومة إما كليا أو جزئيا من أصل 2353 مليار ليرة وهو مجموع القروض الممنوحة من البنوك. والديون المتعثرة هي تلك الديون التي مر عليها أكثر من 90 يوما دون أن يتمكن المدينون من دفع الربا المترتب على الدين أو أصول الدين أو كليهما. وتعتبر نسبة الديون المتعثرة من أكبر النسب في العالم حاليا. وتذكر تقارير ستاندارد آند بور أن هذا الارتفاع الكبير في نسبة الديون المتعثرة والذي بلغ ضعف ما كانت عليه قبل سنة هو نتيجة طبيعية لانخفاض سعر الليرة التركية والذي تجاوز 30% من سعر صرف الليرة مقابل الدولار قبل سنة تقريبا. ومن المحتمل أن تعود منظمة ستاندارد آند بور لتخفيض القيمة الائتمانية لتركيا إذا لم يطرأ تحسن على الوضع المالي والاقتصادي. وقد توقع المحللون أن تعود الليرة التركية للانخفاض لتصل إلى سعر 6.88 مقابل الدولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
وتكمن أهمية الديون المتعثرة في أي نظام مالي بنكي ومنه تركيا، في كونه مؤشرا أساسيا على مقدرة البنوك على الاستمرار في عملية تمويل المشاريع من خلال القروض. حيث إن تعثر القروض، يعني أن كمية المال الراجع للبنوك من خلال وفاء المدينين بالتزاماتهم تجاه البنك تقل كلما تعثر المدينون عن سداد الديون أو رباها وخدماتها.فحين يعجز المدينون عن سداد 188 مليار دولار، فهذا يعني أن البنوك من أجل أن تحافظ على عملها والاستمرار في الإقراض ستكون مضطرة أن تخفض قيمة القروض التي تمنحها لطالبي الدين بمقدار 188 مليار ليرة على مدى السنين المطلوب فيها سداد هذه الديون. فلو كانت قيمة فاتورة سداد الدين السنوية تساوي مثلا 20% من قيمة الدين المتعثر أي ما يعادل 37.6 مليار ليرة، وكانت قيمة سداد الدين الكلي 470 مليار ليرة، فإن البنوك ستكون قادرة على تقديم قروض بما لا يزيد على 470-37.6 = 432.4 مليار ليرة. وإذا استمر فشل الديون لتصبح 50% كما حصل في اليونان مثلا فإن مقدار القروض التي تقدمها البنوك لا تتجاوز 197 مليار ليرة في أحسن الأحوال أي ما يعادل 36 مليار دولار فقط، وهذا لا يكفي لإدارة عجلة اقتصاد ضخم كالاقتصاد التركي، ما يعني أن عجلة الإنتاج ودورة المال سيصيبها شبه شلل تام.
والجدير بالذكر أن تعثر القروض وفشلها حتى على مستوى 8% كما هو الآن سيؤدي إلى تعثر مشاريع كثيرة في الاقتصاد التركي، خاصة أن كثيرا من المشاريع متعددة التمويل من قروض مختلفة. فتعثر قرض معين قد يؤدي إلى تعثر قروض أخرى وهكذا... ولعل هذا هو أحد أسباب زيادة نسبة القروص المتعثرة بمقدار الضعف من 4% إلى 8% خلال أقل من سنة. وإذا نظرنا إلى الرسم البياني للقروض المتعثرة خلال أزمة عام 2008 لوجدناها بدأت تتزايد شيئا فشيئا حتى وصلت أعلى قمة عام 2010. كما هو مبين في الشكل التالي:
وهذه الحالات التي لا تنفك تصيب البنوك الربوية التي تعيش على الربا وتزيد ثرواتها على حساب أموال الناس، ما فتئت تفتك في الاقتصاد الذي يعتمد على القروض الربوية وتمويل المشاريع بالربا. وهي تضرب الاقتصاديات العالمية ومنها تركيا اليوم كل حين. ولا يعتبر الناس مما يشاهدون من دمار اقتصادهم وذهاب أموالهم ويعودون لما كانوا عليه، وهم يمرون وباستمرار على كوارث أصابت بنوكهم وبيوتهم الربوية! وهم كمن وصفهم الله عز وجل يمرون على أمم أهلكهم الله بذنوبهم ولا يعتبرون ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾وكقوله تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾.
ألم يأن لمسلمي تركيا وغيرها من بلاد المسلمين أن يعلموا أن الربا هو آفة من أشد الآفات، وأنه لا شك مهلك أموالهم ومدمر اقتصادهم؟! ألم يدركوا قول الله عز وجل ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾ أي أن المال الذي ينمو على حساب أموال الناس ويزيد زيادة ربوية لا علاقة لها بالإنتاج وزيادة الموارد هو آفة كالنار تحرق نفسها إن لم تجد ما تحرقه؟! أولم يدرك بعد من آمن بالله واليوم الآخر أن أشد حرب يمكن أن يتعرض لها البشر هي حرب الله عز وجل والتي ليس لها من كاشفة، ولم يعلن الله حربا صريحة في كتابه إلا على آكلي الربا والعاملين على زيادة الأموال بالربا؟! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.
ولكن الحقيقة التي لا مفر منها ولا مفر من العض عليها بالنواجذ هي أن نظام البنوك الربوي هو جزء لا يتجزأ من نظام اقتصادي رأسمالي، مصحوب بنظام ديمقراطي علماني، منبثق عن عقيدة إبعاد الدين والإسلام عن حياة الناس وشؤونهم، وبالتالي فإنه لا سبيل للخلاص من هذه الآفة والطامة الكبرى والكارثة الماحقة إلا بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي، مصحوب بنظام سياسي؛ دولة إسلامية على منهاج النبوة، منبثقة عن عقيدة عقلية صحيحة تؤمن بالله عز وجل ربا وإلهاً معبودا لا شريك له. وبهذا النظام وحده وهذه العقيدة وحدها يمكن لخليفة المسلمين أن يقف أمام جماهير الناس في تركيا وفي باقي بلاد المسلمين يقول كما قال رسول الله e: «أَلَا كُلُّ رِباً مَوْضُوعٌ».
بقلم: الدكتور محمد جيلاني
رأيك في الموضوع