قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾.
إن الخطاب عام ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهو للمؤمنين وليس للمقاتلين فحسب، أي هو يشمل القتال وغير القتال وينطبق على الجيش في المعركة وكذلك على الحزب حامل الدعوة، فهذا الخطاب لا يصرح بالقتال مثل الآيات: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾، فالخطاب في الآية الكريمة موضع السؤال ليس نصاً في القتال لا يشمل غيره بل هو مثل قوله سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، فالله لا ينصر رسله فحسب، بل كذلك ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾، وليس النصر ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، أي في الآخرة فحسب برضوان الله وجنة الفردوس، بل كذلك ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بالعز والتمكين.
قد يقال كلمة النصر وتثبيت الأقدام تفيد الفوز في الحرب وهذا صحيح، ولكن كذلك لا ينفي فوز حامل الدعوة بتحقيق هدفه أي الفوز فيه في الدنيا والآخرة كما بينا أعلاه لعموم الخطاب، فكل هذا نصر، أي هو فوز. كما أن تثبيت الأقدام يمكن أن يكون بالتثبيت على قول الحق كما في قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾.
- جاء في تفسير ابن كثير للآية الكريمة: (قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، كقوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: 40]، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، كما جاء في الحديث: «مَنْ بَلَّغَ ذَا سُلْطَانٍ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»...
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ أي دين الله ورسوله ﴿يَنصُرْكُمْ﴾ على عدوكم ويفتح لكم ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ في مواطن الحرب أو على محجة الإسلام). فالتثبيت يكون في الحرب ويكون في الدعوة إلى الإسلام.
- وجاء في تفسير القرطبي في تفسير الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار. نظيره ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾.
وقال قطرب: إن تنصروا نبي الله ينصركم الله، والمعنى واحد. ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ أي عند القتال. وقيل على الإسلام. وقيل على الصراط. وقيل: المراد تثبيت القلوب بالأمن...
وتثبيت الأقدام: تمثيل لليقين وعدم الوهن بحالة من ثبتت قدمه في الأرض فلم يَزِل، فإن الزلل وهَن يسقط صاحبه، ولذلك يمثَّل الانهزام والخيبة والخطأ بزلل القدم، قال تعالى: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾.
والخلاصة هي أن الآية الكريمة وإن كانت تفيد النصر في الحرب وتثبيت الأقدام في الحرب، إلا أنها لا تنفي النصر لدين الله في حمل دعوته والتثبيت على الحق فلا تزل الأقدام ومن ثم لا يخشى حامل الدعوة في الله لومة لائم.
من جواب سؤال لأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة
رأيك في الموضوع