حضر القاضي عمر بن حبيب مجلس الرشيد فجَرت مسألة فتنازعها الخصوم، وعلت الأصوات فيها، فاحتجَّ بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي e فدفع بعضٌ الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون منهم: أبو هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن رسول الله e فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، وانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث أن جاءني غلام فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنَّطْ وتكفَّنْ. فقلت: اللهم، إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه؛ فسلمني منه، وأُدخلت على الرشيد، وهو جالس على كرسيٍّ، حاسراً ذراعيه، بيده السيف، وبين يديه النطع، فلما بصُر بي قال: يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحدٌ من الدفع والرد بمثل ما تلقَّيتَني به وتجرأتَ عليَّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلتُه، ودافعتُ عنه، ومِلْتُ إليه، وجادلتُ عنه ازدراءً على رسول الله e وعلى ما جاء به، فإنه إذا كان أصحابه ورواة حديثه كذابين، فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والحدود، مردودة غير مقبولة. فالله الله يا أمير المؤمنين، أن تظنَّ ذلك، أو تصغي إليه، وأنت أولى أن تغارَ لرسول الله e من الناس كلهم، فلما سمع كلامي رجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب، أحياك الله، أحييتني أحياك الله، أحييتني أحياك الله. (تاريخ بغداد 11/197).
رأيك في الموضوع