رسم الإسلام سياسة للتعليم، غايتها إمداد العقل بالأفكار الصحيحة والآراء السديدة من عقائد وأحكام، وحثّ على طلب العلم والتزود بالمعرفة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهِ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ» أخرجه أبو داود وأحمد.
وقد حرص الإسلام على تجنيب العقل مزالق الضلال ومتاهات الانحراف، فوضع لذلك ضوابط محكمة، وأمر المسلم أن يتعلمها ويتقيد بها، وأوكل تنفيذها للحاكم، يرعى بها شؤون من يحملون التابعية عملياً وتثقيفياً، فهو الذي يتبنى الأفكار المتعلقة بسياسة التعليم في مراحله الابتدائية والثانوية والجامعية.
وأبرز هذه الضوابط، أن تُجعل العقيدة الإسلامية، هي الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم، فلا توضع مادة دراسية أو طريقة تدريسية إلاّ على الوجه الذي لا يُحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس.
إلاّ أن جعل العقيدة الإسلامية أساسا لمنهج التعليم لا يعني أن تكون كل معرفة منبثقة عنها، فالعقيدة الإسلامية لا تنبثق عنها كل معرفة؛ لأنها خاصة بالعقائد والأحكام، وإنما معنى ذلك هو أن المعارف المتعلقة بالعقائد والأحكام يجب أن تنبثق عنها، أمّا غير العقائد والأحكام من المعارف فيجب أن تُبنى عليها؛ أي أن تتخذ العقيدة مقياساً، فما ناقضها لا يُؤخذ، وما لم يناقضها جاز أخذه. فنظرية داروين التي تقول: إن الإنسان تطور عن قرد، لا تؤخذ، لأن الله يقول: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]. وكذلك مثل كتاب "الأدب الجاهلي" لطه حسين، الذي أنكر قصة إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام في بناء الكعبة، لا يؤخذ ويُمنع تدريسه، لأن الله ذكر هذه القصة وأثبتها في القرآن، وهكذا...
والعلوم والمعارف، منها علوم تجريبية وما يُلحق بها كالرياضيات والطب، تؤخذ وتقرر في المنهج حسب الحاجة إليها دون أية قيود. ومنها معارف ثقافية كاللغة والتاريخ والفقه، فإنها تدرَّس في المرحلتين الابتدائية والثانوية وفق سياسة معينة لا تتناقض مع أفكار الإسلام وأحكامه، وأمّا في المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعارف كما يؤخذ العلم على شرط أن لا تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم وغايته، أمّا الفنون والصناعات فهذه قد تُلحق بالعلوم كالفنون التجارية والملاحة البحرية وبناء السدود، فهذه تؤخذ كالعلوم سواء بسواء. وأمّا ما كان منها ملحقاً بالثقافة المتأثرة بوجهة نظر خاصة، كالتصوير (الرسم) والنحت، فهذه لا تؤخذ إذا ناقضت وجهة نظر الإسلام، كما هي الحال في رسم كل ذي روح، أو صنع تمثال لأي حي.
هذه هي سياسة التعليم في الإسلام، وهي كلها تهدف إلى تكوين الشخصية الإسلامية فكراً وسلوكاً، وتحفظ المجتمع الإسلامي من زيغ العقائد وفساد الأفكار، وتبني أمّة متماسكة متميزة حضارياً، وهذا ما تضمنته المادة 170، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يُحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس". (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع