إن الطب من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس، فالنبي ﷺ أمر المسلمين بالتداوي، وأعلمهم أن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء وعلاجا، وفي هذا حثٌّ للإنسانِ على السعي للتداوي، وتحصيل البُرْء بإذن الله الذي خلق في الدواء خاصية الشفاء. قال ﷺ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه مسلم، وفي رواية: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ» أخرجه الترمذي.
والصحة والتطبيب، من الحاجات الأساسية للأمة، وتوفيرهما للرعية من الواجبات التي تجب على دولة الخلافة، عملاً بقوله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» صحيح البخاري. والأمن الصحي من مسؤولية الرعاية؛ ولذلك وجب على الدولة توفيره للناس. عن جابر رضي الله عنه قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ» أخرجه مسلم، وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ" أخرجه الحاكم في المستدرك.
فالواجب على دولة الخلافة أن توفر التداوي والاستشفاء (الطب) مجاناً؛ لأنه من النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والإرفاق دون بدل؛ ولذلك كان عليها أن توفر جميع الخدمات الصحية دون بدل.
ومع وجوب الرعاية الصحية على الدولة، فلا يُمنع استئجار الأطباء، ودفع الأجرة لهم، ولا يُمنع كذلك بيع الأدوية؛ لأن المداواة مباحة، وهي منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها، فينطبق عليها تعريف الإجارة، ولم يرد نهي عنها، وفوق ذلك أن أنس بن مالك قال: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ» صحيح البخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، وَلَوْ كَانَ سُحْتاً لَمْ يُعْطِهِ» أخرجه أحمد. وقد كانت الحجامة في ذلك الوقت من الأدوية التي يُتطبب بها، فدل أخذ الأجرة عليها على جواز تأجير الطبيب. ومثل أجرة الطبيب بيع الأدوية؛ لأنها شيء مباح يشمله عموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275]، وكذلك لم يرد نص بتحريم بيع الدواء.
وتوفير الرعاية الصحية، كان واضحا في عهده ﷺ، وعهد الخلفاء الراشدين من بعده، بالمعاقين والعَجَزَة والمصابين، حتى إنه ﷺ، كان يقف مع هؤلاء وأمثالهم ويقضي حاجاتهم، ويشفق عليهم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً"، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» أخرجه مسلم.
وتحقيق الأمن الصحي من خلال الرعاية الصحية في دولة الخلافة، جاء واضحا في المادة ١٦٤، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجاناً للجميع، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء ولا بيع الأدوية". (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع