تداول المال بين جميع أفراد الرعية أوجبه الإسلام على الدولة، وحرّم حصر تداوله بين فئة من النّاس. قال تعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ الحشر: ٧، فإذا كان المجتمع على حال من التفاوت الفاحش بين أفراده في توفير الحاجات، كان على الدولة أن تعمل على إيجاد التوازن في المجتمع، بإعطائها من أموالها التي تملكها من كان فقيرا من الرعية، حتى تكفيه، فيحصل بهذه الكفاية التوازن في توفير الحاجات.
وعلى الدولة أن تعطي المال منقولاً وغير منقول، وتعمل على توفير ملكية الثروة للرعية، التي تسد حاجات الناس، فكلّما رأت الدولة اختلالاً بالتوازن الاقتصادي في المجتمع، عالجت هذا الخلل. فحينما رأى النبي ﷺ التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار، خصَّ المهاجرين بأموال الفيء، الذي غنمه من بني النضير، بعد فتحها صلحاً، وإجلاء اليهود عنها، ونزول قوله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الحشر: 6، فجعل الله أموال بني النضير للنبي ﷺ، بكونه رئيساً للدولة، يضعها حيث شاء، فقسمها بين المهاجرين، ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً، سوى رجلين اثنين كانت حالهما كحال المهاجرين من حيث الفقر. فقوله تعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾؛ أي كي لا يُتداول المال بين الأغنياء فقط، والدُولة في اللغة: اسم للشيء الذي يتداوله القوم، وهي أيضاً اسم لما يُتداول من المال.
وكذلك كان النبي ﷺ بوصفه رئيساً للدولة، يعطي الأرض لمن لا يملكون أرضاً. عن عمرو بن حُرَيْث قال: «خَطَّ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ دَاراً بِالْمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ» أخرجه أبو داود وحسنه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي الفلاحين في العراق مالاً من بيت المال لزراعة أراضيهم، وسكت عنه الصحابة فكان إجماعاً للصحابة.
وجعل الشرع مال الفيء ينفقه الإمام برأيه واجتهاده، ومنه سداد الديون، وجعل للغارمين حقا من مصارف الزكاة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾ التوبة: 60.
فالإسلام ينظر إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع، من ضمان عيش الرعية وتمكينها من الرفاهية، وهذا ما ورد مفصلاً في المادة ١٥٨، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "تيسر الدّولة لأفراد الرعية إمكانية إشباع حاجاتهم الكمالية وإيجاد التوازن في المجتمع حسب توفر الأموال لديها، على الوجه التالي:
أ - أن تعطي المال منقولاً أو غير منقول من أموالها التي تملكها في بيت المال، ومن الفيء وما شابهه.
ب - أن تقطِع من أراضيها العامرة وغير العامرة من لا يملكون أرضاً كافية. أما من يملكون أرضاً ولا يستغلونها فلا تعطيهم. وتعطي العاجزين عن الزراعة مالاً لتوجد لديهم القدرة على الزراعة.
ج - تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من مال الزكاة ومن الفيء وما شابه. (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع