التحليل في هذا الموضوع والمقال هو توقع حصول أمر ما بناء على حسابات ومعطيات وقرائن مادية. والتحليل يكون في كافة جوانب حياة البشر السياسية والعسكرية والاقتصادية...الخ؛ وذلك كالحديث عن توقع حصول حرب بين دولتين بناء على أزمة ما بينهما أو الحديث عن توقع حصول أزمة اقتصادية بناء على معطيات وظروف معينة أو حتى الحديث في الأرصاد الجوية كتوقع حصول موسم أمطار جيد. وهنا يكون أي من الاحتمالات وارداً.
أما النبوءة فهي قسمان، قسم يستند إلى نصوص دينية وهو الوعد والبشرى من الله وهو واجب الإيمان به ما دام يستند إلى نصوص شرعية صحيحة والشك والطعن فيه وزرٌ وتعدٍّ لحدود الله، وقسم أُدرج تحت باب النبوءات وهو لا يدخل تحت هذا الباب والجانب وهو ما يُسمى حساب الجُمَّل والأرقام والأعداد، وهو يقوم على تحليل آيات قرآنية تحليلاً عددياً ويخرج صاحب الشأن بتحديد وقت وزمن محدد لحصول الحدث المبحوث والمتوقع. وهذا القسم هو الذي نحن بصدد الحديث عنه لكون البعض تحدث عن موضوع يشغل حياتنا بشكل كبير وهو زوال دولة يهود، محددا ذلك في اقتران العام ٢٠٢٢ الميلادي مع ١٤٤٣ الهجري. والنبوءة المبنية على حساب الأرقام أي حساب الجُمَّل هي فكرة وطريقة خاطئة في البحث والتحديد والتوقع، فالدين الإسلامي لم يتطرق ولم يشر لهذا العلم إن جازت تسميته علما أصلا، ولم يوجد فيه ما يدلل على الربط بين الأحداث المستقبلية وحسابات الأرقام والأعداد، فلذلك لم يكن للموضوع أي سند من الدين الإسلامي. وإذا صادف حصول حدث مستقبلي متطابقا مع حساب الأعداد كان هذا بناء على أمر الله وليس لأنه بحث صحيح وله جذوره الدينية.
فلذلك كان من الخطأ والكارثة الكبرى طرح مثل هكذا أمور لأن حصول الخطأ في تحديد الوقت والتاريخ يستغله أعداء الإسلام للطعن فيه وتشويه حقائقه، وكذلك هذا الأمر يوجد البعد والشك في الدين عند أصحاب العقيدة الضعيفة. إن حصول خطأ واحد في هذه التوقعات هو إثبات آخر على أن قضية حساب الجُمَّل هي فكرة وطريقة مبتدعة لا علاقة لها بالدين ومحاولة إلصاقها به وهم وخيال. وهنا لا يقال صاحب التحليل العددي أخطأ بل يقال الفكرة خاطئة ولا واقع لها وهي من نسج الخيال، فلو انتهى الاقتران بين العام الميلادي والعام الهجري في القول بزوال دولة الاحتلال دون حدوث الزوال كان هذا تأكيداً على أن فكرة حسابات الأرقام خاطئة ولا وجود لها في الإسلام ولا تُحصر المسألة في التركيز على إظهار أن المتوقِّع توقع وأخطأ.
التحليل العلمي التجريبي والتجارب التي يقوم بها الإنسان في حياته الدنيا هي حالة بشرية اعتاد عليها الناس منذ الأزل وهي غير متوقفة والرأي فيها يكون بغلبة الظن لا القطع، فلذلك الخطأ فيها ليس جريمة وكارثة ما دام الأمر يستند إلى معطيات وأمور مادية. فتوقع حصول حرب بين دولتين ولم تحصل، وتوقع حصول أزمة اقتصادية ولم تحصل، هذا أمر طبيعي في حياة البشر ولا يقلل من قيمة التحليل ومكانته، وهذا نقيض لفكرة وطريقة حساب الأرقام والأعداد، فلذلك كان من الجهل والخطل قياس مسألة التحليل والاجتهاد المادي الإنساني على موضوع النبوءات.
إذاً، فالنبوءة إذا كانت وعداً وبشرى بنصوص آتية من الوحي فهي حقيقة ويجب أن تكون من المسلمات عندنا، أما إذا كانت تستند إلى بدعة حساب الأرقام فهي ليست نبوءة، وهي فكرة مرفوضة ومردودة.
إن جمهرة الأمة لا تلقي لفكرة حساب الأعداد والأرقام بالاً ولا تعّول على مثل هذه الأوهام والخرافات، وإنها أمة تؤمن بالعمل والأخذ بالأسباب المادية وتؤمن أن مواضع الإخبار الواردة في الدين عن أمور مستقبلية هي دافع ومطلب للعمل من أجل تحقيق الوعد والبشرى وأن الله لم يُطلع أحدا على مواقيت الغيب.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع