العلاقة التي تربط الأفراد في دولة الخلافة، هي رابطة الرعوية الإسلامية، التي تقوم على اعتبار أن المقيمين فيها إقامة دائمة، هم رعايا لها. وقد تجاوزت رابطة الرعوية، رابطة الأخوة الدينية، التي تصلح فقط لوصف علاقة المسلمين الروحية بعضهم ببعض، تجاوزتها إلى الرابطة السياسية بين رعايا الدولة من المسلمين وغير المسلمين، فكل من يحمل التابعية لدولة الخلافة، من المسلمين وغير المسلمين، لهم الحق في رعايتها، فلا فضل للمسلمين على غير المسلمين في هذا الحق. عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» صحيح البخاري.
ومن أهم رعاية شؤون الناس، إيجاد العمل للقادرين عليه ولا يجدونه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ. فَقَالَ النَّبِيّ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُوماً فَأْتِنِي بِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَشَدَّ فِيهِ عُوداً بِيَدِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَاماً وَبِبَعْضِهَا ثَوْباً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ» أخرجه ابن ماجه.
ومن وَجَبَ على الدولة الإسلامية إيجاد العمل له، فقد وجبت نفقته عليها إن كان فقيراً أو عاجزاً عن العمل، ولا قريب له عنده القدرة على الإنفاق عليه، فتكون نفقته واجبة على الدولة، لقوله ﷺ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ فَإِلَيْنَا» متفق عليه، والكَلّ يشمل الدَّين والعِيال. وفي رواية أخرى: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ» متفق عليه، ومعنى «ضَيَاعاً» أي عِيالاً محتاجين يضيعون إن تُركوا.
فالنظرة لمفهوم الرعوية في الإسلام، جاءت بأحكام دقيقة ومفصلة لرعاية شؤون الناس في دولة الخلافة، وجعلت معيار الحصول عليها معياراً شرعياً، لا معياراً عرقياً، ولا قومياً، ولا وطنياً، ولا مصلحياً.
لذا كان ارتباط الرعاية واضحا بحمل التابعية للدولة الإسلامية ليس غير، في مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير، وذلك في المادة 153: "تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية"، وكذلك المادة 156: "تضمن الدولة نفقة من لا مال عنده ولا عمل له، ولا يوجد من تجب عليه نفقته، وتتولى إيواء العجزة وذوي العاهات". (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع