الملكية في الأصل هي لله مالك الملك، وبذلك جاء النص صريحاً، قال تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣]. إلا أن الله استخلف الإنسان على المال، وجعل له حق ملكيته، قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧]. أما الملكية الفعلية للفرد المعيَّن، فقد شرط الإسلام الإذن من الله بتملّكها، ويكون هذا الإذن دلالة خاصة على ملكية الأفراد الفعلية للمال، ألا وهي الملكية الفردية.
وهناك أعيان جعل الشرع ملكيتها للأمة، ومنع الأفراد من تملّكها، كالأحراش والمراعي وساحات البلدات وما شاكل ذلك من مرافق الجماعة، بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو لجماعة تفرقوا في جملتهم لطلبها. وقد بينها الشرع من حيث صفتها، لا من حيث عددها، في قول الرسول ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» أخرجه ابن ماجه. وكذلك المعادن العِدّ التي لا تنقطع، فعن أَبْيَض بن حَمَّال أنه: «وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ. فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ، قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ» أخرجه الترمذي؛ والماء الْعِدّ هو الذي لا ينقطع. وأيضا هناك أعيان هي من مرافق الجماعة، ولكن طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها، فتكون من الملكية العامة، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتاً يُظِلُّكَ بِمِنًى؟ قَالَ: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» أخرجه الترمذي، فمِنى من مشاعر الحج، وهي لمن سبق إليه، يُنيخ به، فهو مُلك لجميع الناس؛ لطبيعة تكوينه التي تمنع اختصاص الفرد به، كالطرق والأنهار والشواطئ وما شابهها، فكل هذه وأمثالها ملكية عامة، أَذِن الشرع للجماعة بالاشـتراك فيها والانـتـفـاع بعينها، وهي ملك للأمة، يوزّعها الخليفة أو يمكنهم منها، وَفْق الأحكام الشرعية.
أما ملكية الدولة، فلا يحتكرها أو يتميز بها أحد على غيره، وهي ما جعل الشرع لدولة الخلافة، أن تتصرف بها لمصلحة الأمة، وَفْق تدبير الخليفة؛ فترفع بها الفقر، وتحفظ من خلالها التوازن بين الرعية، وتمنع الطبقية، وتدفع عن الأمة العدوان، وتحقق حمل الدعوة والجهاد.
وعليه: إن كانت الأموال حقاً لعامة الرعية، كانت ملكا للدولة، ويجب عليها أن تمْلُكه، وإن كانت الأعيان ملكيتها للأمة، يُمنع الأفراد والدولة من تملُّكها، وإن لم يكن حق فيها لعامة الرعية، كانت ملكاً للأفراد، فيحرم على دولة الخلافة تحويلها إلى الملكية العامة أو إلى ملكية الدولة، كما حصل من ترقيعات أفرزها النظام الرأسمالي، والذي أُطلق عليه "التأميم".
فتمكين الناس من الانتفاع بالثروة، من خلال أحكام الملكيات الثلاث في الإسلام، بينتها المادة ١٢٧، من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "الملكية ثلاثة أنواع: ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية الدولة"، وأيضا المادة 139: "لا يجوز للدولة أن تحوّل ملكية فردية إلى ملكية عامة، لأن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته لا برأي الدولة" (مشروع دستور دولة الخلافة).
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع