رسالة الإسلام هي رسالة عالمية لكلّ البشر، فهي ليست لأمّةٍ معيَّنة بل للنّاس كلّهم، فالله تعالى بعث نبيه محمداً ﷺ بالإسلام ليكون خاتمة الرسالات إلى الناس جميعاً، في سائر الأعصار والأمصار إلى أن تقوم الساعة، فالإسلام دين ارتضاه الله سبحانه لجميع الخلق، شاملاً جميع جوانب حياتهم، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى الجنة على من يموت على غير دين الإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، لهذا كان النبي ﷺ حريصا على دخول الناس في دين الله، وبعد أن أسس ﷺ الدولة الإسلامية الأولى لم يدخر جهداً في نشر الإسلام، وقد عبّر ﷺ عن ذلك بإرساله عدداً من الرسائل إلى عدد من الملوك والأمراء خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام، فانطلقت مواكب رسل رسول الله ﷺ تحمل بشائر وأنوار الهداية وإبلاغهم بدعوة الإسلام، وقد كان بعضهم يجهلها مثل كسرى، وبعضهم ينتظرها مثل قيصر، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
ثم سار الخلفاء الراشدون على نهجه ﷺ حريصين على اعتناق الناس الإسلام، ففتحوا البلدان لنشر الإسلام ودخول الناس فيه، فكانت هذه هي قضيتهم في هذه الحياة ألا وهي إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام وهديه، فكانت نتائج الفتوحات مفاجئة لجميع الأمم والشعوب والإمبراطوريات، الذين أقرّوا بأن المسلمين أصحاب رسالة حقّة أيدها الله سبحانه لتبليغ دينه، وكانت من أهم النتائج التي حققتها الفتوحات دخول جميع قبائل الجزيرة العربية في الإسلام، وتبليغ رسالة الإسلام إلى نصارى الشام والعراق، حيث دخلت أعداد كبيرة منهم في الدين الجديد، وتم إعلاء كلمة التوحيد في أراضي أعظم إمبراطوريتين؛ الفرس والروم، ودخول أعداد كبيرة من شعوبهم في الإسلام بعد أن اطمأنوا لعدالته وعظمته، وعدم تفريقها بين الشعوب والأجناس. وتواصلت الفتوحات لحمل الإسلام طوال فترة حكم الخلفاء ولم يعطلوها أبداً.
وفي أفريقيا بدأت الفتوحات الإسلاميّة في عهد رسول الله ﷺ ثمّ استكملها من بعده الخلفاء الراشدون، والخلفاء من بعدهم، وقد كانت بلاد الشام ومصر المركز الأهمّ الذي انطلق منه المسلمون لنشر الإسلام. ومن مصر انتقلوا في فتوحاتهم إلى الشمال الأفريقي، ففتحوا دول المغرب العربي واستقر فيها الإسلام، واستمرت الفتوحات حتى وصلت الدعوة إلى الأندلس والبرتغال وأجزاء من فرنسا، وعلى الجبهة الجنوبية انطلق المسلمون في جهادهم ونشر دعوتهم؛ ففتحوا السودان وتشاد وبلاد النّوبة حتى وصلوا إلى الصحراء الكبرى، وبعد أن استقرّ الدين الإسلامي في السودان اتخذها المسلمون مقراً للدعوة نحو أدغال أفريقيا وغيرها.
يعلق المؤرخ الشهير جيبون على معركة بواتييه قائلا: لو كان العرب قد انتصروا في بواتييه لأصبحت المساجد في باريس ولندن بدلا من الكاتدرائيات حاليا ولكان القرآن يتلى في جامعة أكسفورد وبقية الجامعات هناك. ويعلق ديورانت عليها قائلا: لو انتصر العرب في هذه المعركة الكبرى لأصبحت أوروبا الآن جزءا من العالم الإسلامي. لكنهم رغم هذه الهزيمة، واصلوا فتوحاتهم حتى أصبحت تولوز وليون ونهر اللوار تحت السيادة الإسلامية. وكان الفاتحون قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل) حتى بلغوا في فتوحاتهم سويسرا، وأقاموا هناك ممالك إسلامية، وحرّروا الشعوب من العبودية والإقطاع، وظلوا قرنين يحكمون هذه المناطق. ولم يوقف الزحف الإسلامي بأوروبا سوى جبال الألب، ولو استطاع الفاتحون تخطيها لعم الإسلام شمال أوروبا.
وإذا أردنا أن نذكر البلاد التي فتحها المسلمون، ودخل الناس في دين الله أفواجاً بسببها فلا تكفينا المجلدات فقد استمرت الفتوحات الإسلامية؛ وهو العمل الأصلي لدولة الخلافة، حيث كان همهم الأول إدخال الناس في هذا الدين العظيم، حتى هدمها عام 1342هـ. ومنذ ذلك الوقت توقف هذا العمل العظيم، وظل المسلمون بلا خلافة فتعطلت الرسالة، وسيطر النظام الرأسمالي العلماني على حياة الناس، فبعد أن كنا نحمل مبدأنا للناس أصبحنا أمة تُحمل إليها دعوات الباطل.
وبعد هدم الخلافة تأسس حزب التحرير لإعادتها مرة أخرى، وهو يعمل بكل جد واجتهاد ومثابرة، فقد قطع على نفسه أن يعمل لها بأقصى طاقة، وأعد العدة لتعود الخلافة ويعود بعودتها حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد حتى يدخل الناس في دين الله أفواجاً. جاء في دستور دولة الخلافة الذي أعده الحزب في المادة 11: (حمل الدعوة الإسلامية هو العمل الأصلي للدولة)، فقد وضعت هذه المادة لأن حمل الدعوة الإسلامية كما هو فرض على المسلمين هو كذلك فرض على الدولة الإسلامية. وهو وإن كان جزءاً من تطبيق أحكام الشرع في العلاقات الخارجية، ويجب أن تطبقه الدولة كما يطبقه الفرد، إلا أنه بالنسبة للدولة، يعتبر الأساس الذي تقوم عليه علاقاتها مع الدول الأخرى، أي هو الأساس الذي تبنى عليه سياسة الدولة الخارجية كلها، ومن هنا كان حمل الدعوة الإسلامية هو العمل الأصلي للدولة.
ونشر الإسلام عن طريق الدعوة والجهاد لإزالة الحواجز المادية، حتى يُخَلّى بين الناس وبين عقولهم، وعندها يدخلون في دين الله أفواجا عندما يطبق الإسلام عملياً في الدولة والمجتمع ويحس الناس بعدله وصدق معالجاته.
إن قضية المسلمين المصيرية اليوم، التي يجب أن تبذل فيها كل الجهود، هي العمل لإعادة الإسلام إلى الوجود في الدولة والمجتمع، بإقامة دولة الخلافة حتى يُحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، ويمن الله علينا بنصره المؤزر، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع