ما إن يحقق الشاب أو الفتاة نجاحا ما، حتى تنطلق الحناجر بالزغاريد، وتدق الطبول، وتعزف القيان فرحاً بهذا النجاح، وإذا تعلق الأمر بالتوجيهي، فالويل والثبور للسكان الآمنين، النائمين منهم والمستيقظين، من هول ما سيسمعون من أصوات الألعاب النارية المفزعة، والتي تملأ سماء بيوت الناجحين بدوي أصوات انفجاراتها ودخانها في النهار، وأصواتها الصاعقة وأنوارها الخاطفة ليلا، هذا فضلاً عن الأموال الطائلة التي تهدر ثمنا لتلك المفرقعات، أو الرصاص الحي، ويصاب أحيانا من يطلقها وآخرون بإصابات بليغة قد تفقدهم بعض أعضائهم، وقد تتسبب في نشوب الحرائق في بعض المساكن، وتكون الخسائر المترتبة على ذلك هائلة.
وقد نشأ هذا العرف الفاسد وتطور من فكرة إطلاق الرصاص الحي في الهواء أثناء المناسبات السعيدة وغير السعيدة أحيانا، وما يصاحب ذلك من إصابات قاتلة تقلب موازين المناسبة رأسا على عقب، ما دفع كثيرا من الدول إلى إصدار قوانين تمنع مثل هذه الأفعال منعا باتا، وتعاقب من يقوم بها إن كان ممن يطالهم القانون.
إن المتفكر في هذه التصرفات يجدها نابعة من الرغبة الجامحة لدى الفاعلين في التعبير عن فرحهم بتحقيق النجاح، وهو مبرَّر إذا كان في حدود الشرع، ولا يتعداه إلى أذى الآخرين، مع ملاحظة غياب المفهوم الحقيقي للفرح لدى المسلمين اليوم، بسبب غياب دولة الإسلام التي تبين للناس أحكام الفرح وأسبابه وأنواعه.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون والإنسان والحياة، هذا الكون بكل ما فيه من مجرات والتي يقدر عددها بالملايين، وكل مجرة هي مساحة ضخمة جدا فيها نجوم وكواكب وأقمار ومذنبات وغيرها من الأجرام السماوية، لا يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى، ولها أشكال وأنواع مختلفة، كل منها يسير وفق نظام دقيق يضبطه دون أن يحيد عنه قيد أنملة. أما الإنسان فهو سبب المشاكل في الحياة، ومشاكله متنوعة ومتعددة ومتجددة، فمنها المشاكل العقلية والشعورية والمشاكل التي تتعلق بالأعمال والوسائل أو الأشياء، خلق الله سبحانه الإنسان وأوجد فيه الطاقة الحيوية من حاجات عضوية وغرائز وجعل لهما أثراً وهي الأفعال، وجعل لهما خاصيات وهي المشاعر، ولما كان الإنسان هو سبب المشاكل في الحياة كان لا بد من معرفة واقعه ليكون مفهوماً ما يجلب السعادة له، والسعادة تأتي بمعنى الفرح والسرور، وهي ضد الشقاء، والسعادة تكون غريزية وهي موجودة عند الإنسان بغض النظر عن دينه وعقيدته وفكره، فالسعادة بالنجاح في التوجيهي والسعادة عند الفوز بمباراة والسعادة بالحصول على جائزة أو هدية أو مال والسعادة بأن تصبح أباً أو تصبحين أماً أو عند تولي منصب كبير وغيرها... كلها من السعادة الغريزية.
وهناك السعادة المرتبطة بوجهة النظر في الحياة، كفرح المسلم بأداء العبادات من صلاة وصيام وقيام وزكاة وصدقة، وفرحته بقيام دولة الخلافة الراشدة، وكسعادة المسلمين بفتح البلاد وتحويلها إلى بلاد إسلامية، وكسعادة المجاهد بالشهادة في سبيل الله.
فالسعادة أو الفرح في الإسلام واضح في قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. قال ابن كثير: أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به، ﴿هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة. كما قال ابن أبي حاتم، في تفسير هذه الآية: "وذكر عن بقية - يعني ابن الوليد - عن صفوان بن عمرو، سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر، رضي الله عنه، خرج عمر ومولى له فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت، ليس هذا، هو الذي يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، وهذا مما يجمعون.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن أرفع درجات القلوب فرحها التام بما جاء به الرسول ﷺ، وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾.
ولقد فرح النبي ﷺ فرحاً عظيماً لما سمع الكلمات التي تدل على الاستعداد لنصرة الله ورسوله، والبذل والتضحية لأجل ذلك، عندما خرج بالمسلمين في بدر، وكانت المعاهدة بينه وبين الأنصار على أن يمنعوه في المدينة مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، لما سمع من المقداد بن الأسود من زعمائهم تلك المقالة العظيمة: "لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن أمامك ومن خلفك، لو خضت بنا البحر لخضناه"، عند ذلك فرح ﷺ فرحاً عظيماً.
وقد ذهب أبو بكر عند الكعبة، وقام في الناس خطيباً ليدعو المشركين إلى أن يستمعوا إلى رسول الله ﷺ، فكان أول خطيب يدعو إلى الله، وما إن قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون، وأوجعوه ضرباً حتى كادوا أن يقتلوه، ولما أفاق رضي الله عنه، أخذ يسأل عن رسول الله ﷺ كي يطمئن عليه، فأخبروه أن رسول الله ﷺ بخير والحمد لله، ففرح فرحاً شديداً.
وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "ما فرحت بشيء من الإسلام أشد فرحاً بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء".
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "دخلت يوماً على بعض أصحابنا، وقد حصل له وَجْدٌ أبكاه. فسألته عنه؟ فقال: ذكرت ما منّ الله به علي من السنة ومعرفتها، والتخلص من شبه القوم وقواعدهم الباطلة، وموافقة العقل الصريح، والفطرة السليمة، لما جاء به الرسول ﷺ، فسرني ذلك حتى أبكاني".
ومن هنا لا بد من إعادة النظر في قضية الفرح، والبحث عن المعاني الحقيقية والشرعية للفرح، فالمعنى العظيم للفرح الذي هو الفرح الشرعي الذي يزيد الإيمان، ولا يقود إلى أشر ولا بطر.
وشبابنا اليوم وهم يخوضون معركة الأمة المصيرية ضد التغريب والاعتداء المتكرر على دينهم ومصالح أمتهم، يجب عليهم أن يصححوا بوصلتهم نحو مرضاة الله، والعمل الجاد لإنهاض خير أمة أخرجت للناس من كبوتها التي طالت، فإنهم عماد التغيير ومادته، وكفى هزلاً أيها الشباب، فقد حانت ساعة الجد، فمن لأمتكم إلا أنتم؟!
أيها الشباب: إن الغرب الكافر الحاقد بكل إمكانياته وأدواته يشن عليكم حروباً متنوعة باردة وساخنة وهو يريد أن يؤخر ميلاد دولة الخلافة الراشدة القائمة قريباً بإذن الله، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فمن للدعوة وللخلافة إلا أنتم؟ ألا تتحرقون شوقاً لتتذوقوا طعم السعادة يوم تعلو صيحات التكبير فوق مبنى الفاتيكان؟ ألا تتحرقون شوقاً لتتذوقوا طعم السعادة الممزوجة بالعزة والفخر والمجد وأنتم تحررون المسجد الأقصى من رجس يهود؟ إنكم والله أحق بها وأهلها، و﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
أيها الشباب: لقد آن الأوان لأمتكم أن تنهض، ولدينكم أن يقام، ولدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة أن تولد، فكونوا من العاملين لإقامتها، واغتنموا هذه الفرصة التاريخية.
رأيك في الموضوع