بقي رسول الله ﷺ ثلاثة عشر عاما يعمل هو وأصحابه ليصل الإسلام إلى الحكم. وقاسى ﷺ وأصحابه جميع أنواع العذاب؛ من قتل وإساءة وحصار وافتراءات ما أنزل الله بها من سلطان من حكام قريش ورؤوس الكفر فيها. وبقي على ذلك حتى أكرمهم الله بنصرة الأنصار للمشروع العظيم الذي قدمه لهم رسولنا الكريم فبايعوه عليه وعلى أن ينصروه ويمنعوه من كل من سيحول بينه وبين إيصال هذا المشروع العظيم للناس. وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام، خلفه أبو بكر الصديق ومَن بعده من الخلفاء ليكملوا هذا المشروع الإلهي ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور، وليقسطوا بين الناس ويطبقوا أوامر خالقهم من أحكام وحدود وأنظمة.
وهذا يدل على أن هذه الفريضة هي من أعظم الفرائض والواجبات كما وصفها الإمام الشافعي (تاج الفروض)، ويدل أيضا على أننا لن نصل إليها إلا بعد عمل وسعي وجهد صادق.
فالخلافة ليست هدية ولا هبة بدون سعي مخلص يقدمها الله للناس بحسب أمنياتهم، ولو كانت كذلك لكان الأولى أن تكون تلك هدية لسيدنا محمد ﷺ ولأصحابه بدعوة واحدة. ولكن إقامة دولة الإسلام التي أقامها رسولنا ﷺ في المدينة المنورة، والخلافة من بعده لم تقم وتستمر إلا بالتضحيات وتحمل الصعاب والعذابات، وجعلها القضية المصيرية لهم، وبعد الإخلاص وبذل كامل الوسع في العمل لها والصبر على ذلك.
نعم هي وعد من الله بقوله سبحانه في سورة النور: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ...﴾. وبشرى نبينا ﷺ «... ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
نعم هي وعد وبشرى ولكنها لا تأتي إلا بعد الإيمان والصلاح والعمل والسعي لها بكل القوة والطاقات وتحمل كل أذى لأجلها. وسيرة نبينا وأصحابه تنطق بذلك.
ألم يحاصر رسولنا الكريم ﷺ وأصحابه ثلاث سنوات في شعب أبي طالب يقاسون الجوع ولا يكادون يجدون ما يأكلون، تتشقق أشداقهم، وتتعالى صرخات أطفالهم من شدة الجوع؟
ثم بعد الابتلاء والتمحيص منّ الله عليهم بدولة استمرت قرونا طويلة فتحت خلالها الأمصار وحملت لها نور الإسلام وعدله، وكانت الدولة الأولى في العالم.
ولما تمكن الغرب الكافر ومن تآمر معه من خونة الترك والعرب من هدم الخلافة في ٢٨ من رجب سنة ١٣٤٢ هجرية، غاب حكم الله من الأرض وتمزقت البلاد واستولى عليها الغرب الكافر ونصب عليها حكاما نواطير يخدمون مصالحه وينفذون مخططاته في منع إقامة الخلافة على منهاج النبوة.
ونحن في هذه الأيام من رجب نعيش الذكرى المئة لجريمة هدم الخلافة، نذكر جميع المسلمين بهذا الفرض العظيم الذي ضُيّع لمئة عام وضاعت لضياعه فرائض كثيرة مقرونة به.
أيها المسلمون: لقد نذر إخوانكم في حزب التحرير أنفسهم للعمل من أجل إقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فهلا سارعتم للعمل معهم لإقامة صرح عزكم، عسى الله أن يكرمنا بإقامتها عما قريب ويجعلنا من جنودها ومن شهودها، وليس ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ نور الدين الحوراني
رأيك في الموضوع