لقد حل وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر يوم الخميس 23/7/2015 في زيارة غير معلنة ببغداد في إطار جولة شرق أوسطية شملت كلاً من السعودية والأردن وكيان يهود. على رأس وفد مؤلف من 21 قائداً عسكرياً ميدانياً بينهم ضباط كبار سبقلهم الخدمة في البلاد إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، أبرزهم الجنرال جون آدم الذي تولى قيادة المعارك في الأنبار بين العامين 2005 و2007. الزيارة سبقها قبل أيام وصول رئيس هيئة الأركان في الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي يوم السبت 18/07/2015 ولقائه برئيس الحكومة حيدر العبادي وقادة عسكريين فضلاً عن الجنود والمستشارين الأمريكيين العاملين في قاعدة المحمودية، جنوبي بغداد.
وتأتي الزيارتان المتتاليتان مع تعثّر واضح للقوات العراقية والمليشيات المساندة لها بالحملة العسكرية التي تم الإعلان عنها مؤخراً لتحرير محافظة الأنبار من سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" حيث لم تمر أكثر من سبعة أيّام على بدء معركة الفلوجة والأنبار التي تم الإعلان عنها في 13 من تموز/يوليو الحالي، حتى بدأت تظهر تداعيات التراجع العسكري للقوات المشتركة، بعد أن تركت الحكومة العراقية مجالاً واسعاً للتفاؤل بين العراقيين بإمكانية استعادة الأنبار سريعاً، مستعينة بالعدد البشري الهائل للمقاتلين والدعم الإيراني لها ممثلاً بقوات "فيلق القدس" و"الباسيج"، وهو ما دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي للاستعانة برئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي لتدارك الموقف في الأنبار.
وقد التقى وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر نظيره العراقي خالد العبيدي والمسؤولين الأمنيين في العراق، وقد طالب العبيدي واشنطن برفع وتيرة غاراتها العسكرية والبقاء على مقربة من القوات العراقية المتواجدة على الأرض لتدارك الموقف في الفلوجة. كما عقد كارتر اجتماعا منفصلا مع الخبراء العسكريين الأمريكيين لم يحضره أي مسؤول عراقي، أعقبه اجتماع مع العبادي لم تُعرف تفاصيله بالضبط كونه كان ثنائياً.. كما التقى كارتر وفدا من شيوخ وزعماء العشائر والقبائل السنّية حيث ذكر لهم أن واشنطن كانت قد أوصت بإشراك العشائر السنية في الهجوم على الفلوجة، ولكن القادة العراقيين لم يقوموا بذلك!!
وبعدها عقد اجتماعاً مع رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، وأكدت المصادر "أن وزير الدفاع الأمريكي أبلغ الجبوري بدء واشنطن بوضع اللمسات الأولى لإقامة أقاليم السنة في العراق، لأنها وفق الرؤية الأمريكية الحل الأمثل للمحافظات السنية"، مؤكدة أن "كارتر لم يبلغ رئيس مجلس النواب بمواعيد محددة للبدء بتنفيذ هذه الأقاليم على الأرض، غير أن المسؤول الأمريكي ألمح إلى أن إقامتها ستبدأ فور القضاء على تنظيم داعش الارهابي".
وفي اليوم التالي توجه آشتون كارتر إلى هولير / أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث ذكرت مصادر من هولير، «إن برنامج كارتر يتضمن لقاءً مع مسعود بارزاني رئيس الإقليم، وجولة تفقدية للقوات الأمريكية التي تقوم بتدريب قوات البيشمركة». ويرجح مراقبون أن تتناول لقاءات كارتر والمسؤولين الكرد في هولير، مطالب الكرد الخاصة بالتسليح، والتي قالت وزارة الدفاع الأمريكية عنها في وقت سابق، «إنها قيد الدراسة». وقد قال وزير الدفاع الأمريكي، في شهادته أمام الكونغرس، عن قوات البيشمركة: «الكرد نموذج لما نبحث عنه، قوات برية فعالة قادرة على الدفاع عن نفسها متماسكة يمكنها السيطرة على الأراضي والحفاظ عليها».
يتضح مما سبق أن أمريكا تعمل بجد لتكريس تقسيم العراق إلى كيانات طائفية تابعة لها، وما الحُجّة التي ساقتها لقتال تنظيم الدولة وتشكيل التحالف ضدهُ بغية تحرير المناطق من سيطرته إلا حجة داحضة... فالذي يكافح الإرهاب يجب أن تكون يده نظيفة منه، لا أن يكون هو أصل شجرة الإرهاب والمغذي له وصانعه على عينه! فمَنْ وراء القتل الفظيع والتعذيب الشنيع في أفغانستان والعراق وباغرام وأبي غريب وغوانتنامو؟ أليست هي أمريكا؟؟ إن أمريكا التي لفظها المسلمون وأهل المنطقة بعد أن عاشوا عدوانها الوحشي في أفغانستان والعراق، وهجمات طائراتها دون طيار في باكستان واليمن... أصبحت اليوم يُرجى خيرها بل ويُسعى بإلحاح لتدخلها العسكري بالرضا والاختيار! وهذا شر مستطير فوق شر تدخلها بالقهر والإجبار، فأن يهاجمك أفعى فتتصدى له خير ألف مرة من أن تُحضر أنت الأفعى بيدك إلى داخل بيتك فيقتلك وأبناءك وكل من في الدار! فكأن على عيون أولئك المستجيرين بنار أمريكا غشاوة، وفي آذانهم صمما، وعلى بصائرهم عمى!
لكن ما الذي هيأ الزمان والمكان لمثل هذه الأحداث النشاز؟ وما الذي جعل ما سعت له أمريكا، وما خططت له من مؤامرات، وما أرادته من تدخل... ما الذي جعل كل ذلك أمراً مطلوباً من بعض أهل المنطقة، يعلنونه دون حياء ولا خجل؟ إن المتدبر لذلك يرى أن أمريكا استغلت الاقتتال بين الحركات الثائرة في سوريا والعراق، وحالة الفراغ السياسي الواقع في بلاد المسلمين هو الذي يجعل هذه البلاد عرضة لأن يغزوها الكفار المستعمرون بالجيوش والأحلاف، والأضاليل والمؤامرات دون أن يخشوا بأساً ولا قهرا، فالفراغ السياسي يقتل المنطقة التي يستوطنها، وليس الفراغ السياسي هو عدم وجود أنظمة حكم في بلاد المسلمين فحسب، بل الأعمق أثراً والأشد خطراً هو الفراغ السياسي الناتج عن عدم حكم هذه الأمة بنظام منبثق عن عقيدتها ما يسبب انفصالاً في كينونتها، فيضطرب أمرها وتصبح أرضا مهيأة للقلاقل وللضعف والهوان، وتلك ثغرة بل ثغرات، فسَهُل على المستعمرين أن يغزوها ومن ثم يحكمها الطغاة.
إن حلف أوباما الاستعماري القاتل للمنطقة وحجة مقاتلة تنظيم الدولة وتحرير المناطق من سيطرته هو ذر للرماد في العيون والغرض الرئيسي هو من أجل دخول النفوذ الأمريكي ليس مكافحة الإرهاب بل الهيمنة على المنطقة لهدفين اثنين: ضمان نهب ذهب المنطقة الأسود، وتيسير تدفقه إلى مخازن أمريكا، والثاني أن تحول بين البلاد الإسلامية وبين عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ظناً من أمريكا وأعوانها أنهم قادرون على ذلك بكيدهم ومكرهم ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾، هذان هما الهدفان اللذان تسعى لهما أمريكا والسبب الرئيسي لزيارة وزير الدفاع آشتون كارتر للمنطقة، وما مكافحة الإرهاب إلا غطاء لم تتقن أمريكا نسجه فيخفي ما تحته!
وعلى المسلمين في العراق وفي بلاد الشام خصوصاً والمنطقة عموماً أن يدركوا أن السياسات الخبيثة التي ترعاها أمريكا والغرب تحت غطاء الأمم المتحدة بحجة تحرير المنطقة من سيطرة تنظيم الدولة لن تكون حلاً لا للعراق ولا لسوريا ولا لأي بلد مظلوم آخر، فالكافر المستعمر لا ينصر مسلماً، ولكن النصر من عند الله وحده سبحانه وتعالى. وإن الطريق الوحيد لخلاص المسلمين هو إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستحكم بما أنزل الله. فإما أن تعملوا من أجل هذا وإما أن تناصروا العاملين لها، فتوكلوا على الله حق التوكل إذ النصر من عنده وحده، قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 10]
بقلم: علي البدري
رأيك في الموضوع