أيها المسلمون، إن الخلافة هي قضية المسلمين المصيرية، بها تقام الحدود، وتحفظ الأعراض، وتفتح الفتوح، ويعز الإسلام والمسلمون، وكل هذا مسطور في كتاب الله العزيز الحكيم وسنةِ رسوله ﷺ وإجماعِ صحابته رضوان الله عليهم، ويكفي للمسلم أن يتدبر الأمور الثلاثة التالية ليدرك كم هو فرض الخلافة عظيم عظيم:
أولها: قوله ﷺ فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»، وهذا دليل على عظم الإثم الذي يقع على المسلم القادر الذي لا يعمل لإيجاد خليفة تكون له في رقبته بيعة، أي هو دليل وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده.
وثانيها: هو انشغال أصحاب رسول الله ﷺ في إقامة الخلافة وبيعة الخليفة قبل انشغالهم بدفنه ﷺ، مع أن التعجيل بدفن الميت أمر منصوص عليه في الشرع، جاء في معرفة السنن والآثار للبيهقي: (وقال الشافعي في رواية أبي سعيد: وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته)، هذا بالنسبة لأي ميت فكيف إذا كان هذا الميت هو رسول الله ﷺ، ومع ذلك قدّم الصحابة بيعة الخليفة على دفن رسول الله ﷺ، وهكذا فقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله ﷺ عقب وفاته وانشغالهم بنصب الخليفة.
وثالثها: أن عمر رضي الله عنه يوم وفاته قد جعل أمداً لانتخاب الخليفة من الستة المبشرين بالجنة لا يزيد عن ثلاثة أيام... ثم أوصـى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيـام، فليقتل المخـالـف بعد الأيـام الثلاثة، ووكّـل خمسين رجلاً من المسـلمين بتنفيذ ذلك، أي بقـتـل المخـالف، مع أنهم مبشرون بالجنة، ومِـنْ أهـل الشورى، ومِنْ كبار الصحـابة، وكان ذلك على مرأى ومسـمع من الصحابة، ولم يُـنـقَـل عـنـهـم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجـوز أن يخـلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، ونحن قد مضى علينا "جمع من الثلاثات"، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهكذا فإن الخلافة أيها المسلمون أمر عظيم عظيم، وقضية مصيرية للمسلمين وأية قضية.
أيها المسلمون، ومع ذلك فإننا لا نيأس من رحمة الله ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، خاصة وأن الله سبحانه قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وكذلك فإن رسول الله ﷺ قد بشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ولكننا نؤكد ونكرر ما سبق أن قلناه من قبل وهو أن الله القوي العزيز ينصرنا إن نصرناه بأن نكون من العاملين الصادقين المخلصين، فإن سنة الله اقتضت أن لا يُنزلَ ملائكة تعملُ نيابة عنا وتقيمُ لنا خلافةً، ونحن قعودٌ نتكئ على الأرائك! بل ينزل الله إن شاء ملائكة تساعدنا ونحن نعمل، وهكذا وعد الله في كل نصر، سواءٌ أكان في إقامة الخلافة بإحسان العمل وإتقانه، أم كان في الفتح والنصر من الله بالقتال في سبيلهِ سبحانه.
رأيك في الموضوع