▪ من بيوت الله، انطلقت ثورة الشام قبل عشرة أعوام، تلهج ألسنة الثائرين بالتكبير، وتصدح حناجرهم بهتاف الثورة الأجمل: "قائدنا للأبد.. سيدنا محمد"، هتاف ألهب حماس الثائرين وأحيا في نفوسهم نبض العزة بالإسلام والشوق للحكم به؛ هتاف أغاظ رأس الكفر أمريكا التي أدركت تميّز ثورة الشام عن باقي انتفاضات المنطقة، وأيقنت حاجتها لتجييش عملائها لوأد الثورة قبل أن يستفحل أمرها ويزداد خطرها، فاستنفرت خيلها ورجلها لحماية عميلها نظام أسد المجرم، فكان أن وزعت الأدوار على الأعداء ومن يلبسون نفاقاً ثوب "الأصدقاء" لاحتواء الثورة وحرفها عن مسارها، عبر القصف والبطش والتدمير تارةً، وعبر المكر السياسي الذي يقطر سماً زعافاً تارةً أخرى.
▪ أما القصف والبطش والتدمير، فقد تقاسمت أدواره كل من روسيا وإيران وحزبها في لبنان ومن لف لفيفها من مليشيات إجرام حاقدة على الإسلام وأهل الشام. وأُوكل دور المكر السياسي ونصب الفخاخ السياسية لعرقلة مسيرة الثورة لكلٍّ من النظام التركي والقطري والسعودي، فكانت سياسة الاحتواء وإغداق الأموال لشراء الذمم من أخطر وأمضى أسلحة أعدائنا للفتك بثورتنا.
▪ وبعد أن بلغت مساحة المحرَّر ما يقارب 80 بالمائة في سنوات الثورة الأولى، اضطربت البوصلة وانحرف المسار، وبدأ مسلسل خسارة المناطق التي بُذلت لتحريرها الدماء والأشلاء، منطقة تلو الأخرى، بالتزامن مع إجرام هستيري مستمر طال البشر والشجر والحجر بضوء أخضر أمريكي وتواطؤ أممي، مترافقاً مع سلاسل متلاحقة من المؤامرات والمؤتمرات، من جنيف إلى فينّا إلى الرياض وأستانة وسوتشي.
▪ أما أحدث ما وصل إليه كيد المجرمين، فهو الحديث عن مسرحية انتخابات هزلية تحت إشراف نظام الإجرام ومشاركة طاغيته، مع "منافسة" محتملة من وجهه الآخر، ائتلاف العمالة والدياثة السياسية التي جسّدها رئيسه نصر الحريري عبر الحديث عن "لجنة انتخابية" تعطي النظام شرعية زائفة وتمهد لوأد الثورة كخطوة في خطة تدفع باتجاهها أمريكا عبر أدواتها وصنائعها لفرض الحل السياسي الأمريكي الذي يثبت أركان النظام ويحارب كل من خرج ثائراً عليه، مع الإبقاء على المؤسسات الأمنية والعسكرية جاثمة على صدور العباد.
إلا أن ردة فعل أهل الشام التي أثبتت أن جذوة الثورة لا تزال متقدة في نفوسهم، رغم الصعاب والألم وعظم التضحيات، أجبرت الائتلاف، ومَن وراءه، إلى الإعلان عن "تجميد" خطوة التطبيع ووصمة العار هذه لا إلغاءها.
أما الموقف الأمريكي الممعن في التضليل، فهو ما أعلنه المبعوث الأمريكي الأسبق الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، أن بلاده لن تطبّع العلاقات مع النظام السوري، ما لم يتخذ خطوات لتبني القرار الأممي 2254، المتعلق بالعملية السياسية في البلاد، وما أعلنه قبل ذلك من أن أمريكا لا تريد إخراج روسيا من سوريا ولا إسقاط النظام ولا تغيير بشار، إنما فقط "تعديل سلوكه". أمريكا التي تتلطّى في مواقفها خلف خونة عملاء لها اضطرت أن تحرق أوراقهم بل وأن تكشف سوءاتهم!
▪ أما تشكيل ما تسمى "اللجنة الدستورية" وما عقدته من جولات بين النظام وظله برعاية أممية، تمهيداً لصياغة دستور علماني خالص، يعلن الحرب كسابقه على دين الله وشريعته، ويقصي الدين عن الحياة والمجتمع والدولة، لتبقى الشام ترزح تحت نير ثقافة الغرب الكافر وسمومها؛ نقول: إن تشكيل هذه اللجنة وما ترمي إليه يلخصه ويعبر عنه ما تداوله المبعوث الأممي بيدرسون وجوقته في خضم حديثهم عن "عدالة تصالحية"، ما كانوا يجرؤون على ذكرها عند تدشين مكر مؤتمراتهم في جنيف1 عام 2012.
▪ طبعاً هذا مكر أعداء الله، ولا يعني أنهم نالوا مرادهم، فهم وإن كسبوا بعض جولات من الصراع المحموم بين الحق والباطل، إلا أن العقبات أمام الأعداء كأداء، وعلى رأسها الحاضنة الشعبية التي يحاولون كسر إرادتها بكل وسيلة شيطانية ممكنة لتكفر بثورتها وتخضع لما يملى عليها، وعلى رأسها التضييق الاقتصادي الممنهج ممن تسلطوا على رقاب الأمة من قادة وفصائل وحكومات زعمت تمثيل الثورة، والأمة تضعها في خانة واحدة مع كل من يتآمر عليها لإجهاض ثورتها.
▪ إن عدم نجاح أعدائنا حتى الآن في تحقيق مرادهم لا يعني أننا انتصرنا. ولكن جرح الأمة النازف على أرض الشام يستنهض همم الصادقين ونخوة الغيورين على دين الله وعباده لضبط البوصلة وتصحيح المسار، وإلا فإن الثورة وأهلها، حقيقةً، في خطر عظيم.
▪ فنظام الإجرام ما كان ليقضم المناطق واحدة تلو الأخرى بقوته، فهو ضعيف مستنزف يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
▪ وما كان ذاك لضعفنا، فنحن أقوياء بديننا، ثم بما حبانا الله به من مقومات انتصار على نظامٍ مستنزَف يعاني كل مقومات الانهيار.
▪ وإن ما وصلنا إليه من تقهقر، إنما هو بسبب خيانات من رهنوا قرارهم للخارج ممن توسدوا الأمر وسلبوا الأمة سلطانها فضاعوا وأضاعوا.
▪ لذلك كان لا بد أن تتحمل الأمة مسؤوليتها، ومنها عناصر الفصائل، وتقوم بمحاسبة المتاجرين بثورتنا المنخرطين فعلياً في جريمة تنفيذ الحل السياسي الأمريكي الذي يحلم به نظام الإجرام وأسياده من أعداء الإسلام. وقد حذرنا رسول الله ﷺ من عدم الأخذ على أيدي الظالمين بقوله: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ».
▪ إضافة إلى وجوب سعي الأمة الحثيث لاستعادة سلطانها ممن رضوا أن يكونوا مطايا ذليلة لأعداء الله، يذللون لهم العقبات ويمعنون في التضييق على الأمة، بشكل مدروس ومنظم وممنهج، ترعاه مخابرات الدول، لإيصالها إلى حالة من اليأس والقنوط، لتقبل بما يملى عليها من حلول استسلامية قاتلة، يسمونها "سياسية".
▪لقد آن لأهل الشام الصادقين أن يطرقوا باب النجاة ويسارعوا في الطريق التي ترضي ربنا وتسخط أعداءنا، ألا وهي اتخاذ قيادة سياسية واعية تحمل مشروع خلاصٍ حقيقي من صميم عقيدة الأمة، وهو مشروع الخلافة بكامل تفاصيله، لإيقاف الجرح النازف وتوحيد كلمة الأمة من جديد على قلب رجل واحد، لإسقاط نظام الإجرام في عقر داره وإقامة حكم الإسلام في ظل دولة الخلافة، وأنوف أعداء الله راغمة. ولمثل هذا الخير العظيم فليعمل العاملون.
▪ هكذا ننصر الله فيرضى عنا وينصرنا، فهو القائل في كتابه سبحانه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع