بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
إلى الأمة الإسلامية بعامة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس... وإلى شباب حزب التحرير بخاصة الذين أكرمهم الله بحمل دعوته بصدق وإخلاص... وإلى ضيوف الصفحة المقبلين عليها حباً بما تحمله من خير ونبراس... إلى كل هؤلاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أيها المسلمون، إن الخلافة هي قضية المسلمين المصيرية، بها تقام الحدود، وتحفظ الأعراض، وتفتح الفتوح، ويعز الإسلام والمسلمون، وكل هذا مسطور في كتاب الله العزيز الحكيم وسنةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماعِ صحابته رضوان الله عليهم، ويكفي للمسلم أن يتدبر الأمور الثلاثة التالية ليدرك كم هو فرض الخلافة عظيم عظيم، والأمور الثلاثة هي التالية:
أولها: قوله صلوات الله وسلامه عليه في ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»، وهذا دليل على عظم الإثم الذي يقع على المسلم القادر الذي لا يعمل لإيجاد خليفة تكون له في رقبته بيعة، أي هو دليل وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده.
وثانيها: هو انشغال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الخلافة وبيعة الخليفة قبل انشغالهم بدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن التعجيل بدفن الميت أمر منصوص عليه في الشرع، جاء في معرفة السنن والآثار للبيهقي: (وقال الشافعي في رواية أبي سعيد: وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته)، هذا بالنسبة لأي ميت فكيف إذا كان هذا الميت هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك قدّم الصحابة بيعة الخليفة على دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا فقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقب وفاته وانشغالهم بنصب الخليفة.
وثالثها: أن عمر رضي الله عنه يوم وفاته قد جعل أمداً لانتخاب الخليفة من الستة المبشرين بالجنة لا يزيد عن ثلاثة أيام... ثم أوصـى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيـام، فليقتل المخـالـف بعد الأيـام الثلاثة، ووكّـل خمسين رجلاً من المسـلمين بتنفيذ ذلك، أي بقـتـل المخـالف، مع أنهم مبشرون بالجنة، ومِـنْ أهـل الشورى، ومِنْ كبار الصحـابة، وكان ذلك على مرأى ومسـمع من الصحابة، ولم يُـنـقَـل عـنـهـم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجـوز أن يخـلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، ونحن قد مضى علينا "جمع من الثلاثات"، ولا حول ولا قوة إلا بالله... وهكذا فإن الخلافة أيها المسلمون أمر عظيم عظيم، وقضية مصيرية للمسلمين وأية قضية.
أيها المسلمون، ومع ذلك فإننا لا نيأس من رحمة الله ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، خاصة وأن الله سبحانه قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ولكننا نؤكد ونكرر ما سبق أن قلناه من قبل وهو أن الله القوي العزيز ينصرنا إن نصرناه بأن نكون من العاملين الصادقين المخلصين، فإن سنة الله اقتضت أن لا يُنزلَ ملائكة تعملُ نيابة عنا وتقيمُ لنا خلافةً، ونحن قعودٌ نتكئ على الأرائك! بل ينزل الله إن شاء ملائكة تساعدنا ونحن نعمل، وهكذا وعد الله في كل نصر، سواءٌ أكان في إقامة الخلافة بإحسان العمل وإتقانه، أم كان في الفتح والنصر من الله بالقتال في سبيلهِ سبحانه.
وإننا نحمد الله أن أكرم هذه الأمة بقيام حزب التحرير ناذراً نفسه للعمل الجاد المخلص بإذن الله لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، وهو بحق الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه، وهو حزبٌ ينصع طيبُه، ويسقط منه كل من لا يطيقُ طيبَه... هكذا نحسبه ونحسب كل شبابه العاملين معه بأنهم جادون مجدون، عاملون مخلصون، يتطلعون بإذن الله إلى الآخرة فوق فوق ما يتطلعون إلى الدنيا، وهم يصلون ليلهم بنهارهم يرجون رحمة الله بأن يتحقق وعدُه سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على أيديهم، وما ذلك على الله بعزيز.
وفي الختام، فإن فرض إقامة الخلافة أيها المسلمون ليس هو على شباب الحزب فحسب، بل هو على كل قادر من المسلمين، فآزرونا أيها المسلمون، وانصرونا يا جيوش المسلمين، وأعيدوا سيرة الأنصار عندما نصروا دين الله، فجعلهم الله سبحانه صنو المهاجرين، وأثنى عليهم ورضي عنهم في محكم كتابه دون قيد ولكن قيّدَ ذلك للتابعين بإحسان ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، وذلك لما لنصرة دين الله وإقامة الخلافة من أجر عظيم وفضل كريم، حتى إن الملائكة حملت جنازة سعد بن معاذ سيد الأنصار رضي الله عنه كما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم لعظم فضل نصرة دين الله.
وخاتمة الختام فإن من ينصر العمل لإقامة الخلافة قبل أن تُقام أجره أكبر وأعظم من نصرة الخلافة بعد قيامها ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وإننا لنضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الذكرى التاسعة والتسعون مقدمةً لنصر الله العظيم قبل الذكرى المئوية لإلغاء الخلافة، ومن ثم تشرق الخلافة الراشدة على الدنيا من جديد ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر رجب 1441هـ أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
الموافق 23/3/2020م أمير حزب التحرير
رأيك في الموضوع