كلمة ثورة تعني تغييراً انقلابياً لمجموعة الأفكار والمفاهيم والأعراف والنظم السائدة واجتثاث الواقع الموجود واستبدال واقع جديد به. ومنذ فجر التاريخ خرجت الشعوب في ثورات على واقعها ترسم خطاً مستقيما لها تسير فيه وتبتغي الوصول للوضع المنشود. فكانت الثورة الفرنسية على سبيل المثال لا الحصر وكانت ثورة على الاستبداد الكنسي والحكم باسم الدين، ولم تنطفئ جذوتها وتسكن قريرتها إلا بعد أن وصلت لمبتغاها.
وفي الشام قامت ثورة مباركة طاهرة على أعتى نظام عرفته البشرية ألا وهو النظام الدولي - الذي قام أساساً على أنقاض الدولة الإسلامية - والذي يعتبر نظام طاغية الشام أسد جزءا منه.
هذه الثورة خرجت لاستبدال المنظومة المتجذرة وجعلها أثرا بعد عين وإحلال الإسلام في الحياة بعد غياب طويل، وليس أدل على ذلك من خروجها من المساجد وشعاراتها التي أثبتت هويتها.
ثورة تريد استبدال الإسلام بالكفر وعودة الصرح شامخا كما كان طوال نيف وثلاثة عشر قرنا. ولكن، تآمر من تآمر والتف من التف وبذل من بذل في سبيل هزيمتها فكان لهم ما أرادوا - إلا قليلا - فما السبب الذي جعل الثورة في الشام تنتكس وتتخبط وتضيع بعض ملامحها؟!
السبب بكل صراحة ووضوح هو عدم تبنيها لثوابت تكون منطلقا تسير عليه ومصباح هدى ينير لها دربها، فكيف يستقيم أن تقوم ثورة بلا ثوابت ومخطط سير؟!
هل تعلمون أنه في كل شيء هناك ثوابت؟ وأن المتحرك يقيس حركته مستندا للثوابت؟ وأنه لولا الثوابت لضاع المتحرك؟ هل تعلمون أنه في حياة الإنسان المسلم العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام هي الثابت؟ هل تعلمون أنه يجب أن يكون للثورة ثوابت، وبدونها ستضيع التضحيات الجمة ويبذل الغالي والنفيس دون ثمن؟... فما هي ثوابت الثورة؟
قبل أن نذكر ما هي الثوابت لنسأل ماذا يحصل لو لم نتخذ الثوابت ثوابت؟ عندما لا نتخذ الثوابت ثوابت فإن العدو الذي كنا نقاتله ونحرص على قتله يصبح صديقا نحرص على صداقته! والعدو الذي يغتصب عرضك ويستمر باغتصاب حرائرك يصبح جليسك على مائدة الطعام التي تعدها إكراما له! والعدو الذي تكره أن تسمع عنه خبرا أو ترى له أثرا يصبح سيدك وجارك وصديقك وشريكك وجليسك ونديمك ولربما زوجته ابنتك!!
كيف يتحول العدو إلى راع يرعانا ومسؤول عن أمننا ووكيل على أبنائنا....؟! كيف بات العدو فأمسى صديقا؟! هل يستقيم أن تهادن النظام وتجعل إخوتك يُقتلون أمامك ولا تحرك ساكنا؟! كيف تأمن لدول هي أساسا حلقات من سلسلة حلقات المنظومة التي خرجتَ عليها؟! كيف تقول يا رب لم لم تنصرني وفي الوقت نفسه ترفع غير راية رسول الله وتنادي بغير الإسلام بديلا؟!
ألم يسع حزب التحرير جاهدا منذ سنة 2014 أن يجعل إسقاط النظام المجرم بكافة رموزه وأركانه ثابتا من ثوابت الثورة؟ لكن الناس اتخذوه هدفا ولم يتخذوه ثابتا؛ لذلك رأينا رجالات النظام على موائد الكرام واللئام.
إن أعظم المصائب عندما يفقد الناس مقاييسهم فيدخلون في التوهان والضياع. أليس أهل الشام الآن في ضياع؟ لو أنهم اتخذوا حزب التحرير قيادة سياسية لهم واتخذوا إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه ثابتا لهم، وقطعوا علاقاتهم مع كل الدول التي تدعي صداقتهم... هل كان سيحل بهم ما حل؟
كيف يبتغون نصر الله ولم يتبنوا المشروع الذي يرضى عنه الله؟ أينصرك الله وأنت تعصيه فتتبنى العلمانية والدولة المدنية الديمقراطية والمشروع الغربي بدلا عن مشروع أمتك: مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وعد الله وبشرى رسوله والذي قدمه حزب التحرير مفصلا مستنبطا من الكتاب والسنة؟!
فإلى البقية الباقية من أهل الثورة في الشام؛ في إدلب الخير وبعض ما حولها... أمامكم الفرصة الذهبية لتكونوا القوة التي تدفن النظام وأعوانه وأحلافه وأسياده في التراب ولا تقوم لهم بعدها قائمة، وترسموا للأمة درب خلاصها ليس في الشام فقط بل في كافة أرجاء المعمورة... سارعوا لتبني الثوابت واجعلوها أساس عملكم أينما حللتم.
ثوابت ثورة الأمة في الشام:
- إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه
- التخلص من دول الكفر وإنهاء نفوذها
- إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
استفيدوا أيها الأهل في الشام من أخطاء غيركم وتداركوا ما بقي من أمل يقلب الموازين ويعيد للثورة أَلَقَها ويحقق مبتغاها فتفوزوا في الدارين وما ذلك على الله بعزيز. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾.
بقلم: الأستاذ عامر سالم أبو عبيدة
رأيك في الموضوع