يراد اليوم لأهل الشام أن يخيم على مشهد ثورتهم صور قاتمة سوداوية، كي يتسرب اليأس إلى نفوس الثوار فيفت في عضدهم ويكسر شوكتهم ويهدّ عزيمتهم فينفرد حلف النظام المجرم بهم ويقضي على ثورتهم ويتابع محاولة إنعاش النظام المجرم ونفخ الروح فيه بعد أن كاد يسدل الستار عليه ويمحى ذكره...
فمشاهد الانتصارات الوهمية للنظام المجرم هي في حقيقتها استسلام من الفصائل المرتبطة وتسليم، ومشاهد التقدم الزائف للنظام المجرم في مناطق مختلفة من شامنا هو في حقيقته مخطط تنفيذي لمؤتمر أستانة8؛ مؤتمر تسليم المناطق... فقد وقعت عليه فصائلنا المرتبطة سابقا، وأما الآن فتمكر لتنفيذه عبر مسرحيات هزلية في معارك شكلية محبوكة سلفا لصالح النظام المجرم ولكن يجري تنفيذها بأيدي الفصائل المرتبطة فتوصل البلاد للتسليمات المتوقعة.
نعم تغيرت خطوط التماس، وحدث تغير في الجبهات وانتقلت أراضٍ بالتسليم من أيدي الفصائل المرتبطة إلى يد النظام المجرم، وتغيرت نسبة توزيع الأراضي بين النظام المجرم وبين الفصائل المرتبطة، كما يصورها الإعلام ويضغط بها علينا، لكن رغم كل ذلك لم تتغير المعادلة على الأرض، رغم الضخ الإعلامي ورغم الحرب النفسية ورغم تواطؤ الدول ومحطاتها الإعلامية... ورغم كل هذه المشاهد المؤلمة في الشام إلا أن المعادلة على الأرض لا تزال قائمة لم تتغير لصالح النظام كما يصور... أجل لم تتغير ولا تزال لصالح الثورة.
فلو تمعن أحدنا في صورة النظام المجرم وواقعه لوجده لا يزال ضعيفا هشا؛ فقواه البشرية لا تقدر على إسناده ليواكب تغيرات الواقع على الأرض؛ فالنظام حتى الآن لم يثبت أنه انتزع أرضا منا بقوته، لا في الشمال ولا في الوسط ولا في الغوطة. ومع أن النظام استلم المناطق من الفصائل المرتبطة تسليما إلا أنه لا يزال ليس لديه من القوة ما يمكنه من السيطرة عليها، وإلى الآن لم يستطع الدخول إلى كثير من تلك المناطق، وليس لديه القوة لبسط سيطرته عليها.
وأكثر من ذلك، فإن كل عملية تسليم جديدة لمناطق أخرى من أيدي الفصائل تضع النظام أمام تحديات جديدة لا يقدر عليها، فهو لا يستطيع أن يفرز قوة كافية لضبط السيطرة على المنطقة الجديدة المستلمة ولا تكفي قوة صغيرة للحفاظ على أمن المنطقة فيمضي حلف النظام المجرم لذلك ويتبع سياسة التهجير وإفراغ المناطق من سكانها. لكن هذه العمليات لا تسعف النظام، فلا يتخلى أصحاب الديار عن ديارهم لمجرم اغتصب أعراضهم وقراهم وقتل أبناءهم مهما توالت السنون، وفوق ذلك لا يملك النظام المجرم خطة ناجحة ليحمي نفسه من تجمع المجاهدين والثوار في مناطق الاستقبال، فلو نجحوا في وضع خطة لتحركهم لكانت كارثية على النظام.
حقا ذلك يشكل للنظام تحديا لا يقدر على خوضه؛ ولهذا نراه يزداد ضعفا على ضعف، ولولا أن النظام ضعيف لما فكرت الدول المجرمة بإدخال قوات للمناطق المحررة، فلولا عجز النظام وعدم قدرته على السيطرة لما أدخلت أمريكا تركيا بمسرحية عفرين ولم تستطع تركيا التي تنفذ خطة أستانة لصالح النظام، لم تستطع الدخول لولا جهود وأيدي الفصائل الآثمة التي أدخلتها لمناطقها بحمايتها، وما تسريبات أمريكا لإدخال قوات عربية للجنوب لجس نبض الحاضنة إلا إشعار بعجز النظام عن أن يدخل الجنوب أو يبسط السيطرة عليه، فهل بعد هذا يأتي من يقول بقوة النظام وينخدع بما يذاع عن أخباره في الشام؟!
بالمقابل رغم أن الثورة ظاهريا فقدت مناطق في الشمال والوسط والجنوب بسبب الفصائل المرتبطة، ورغم أنه جرى نقل الكثير من المجاهدين من حول دمشق وإبعادهم إلى الشمال بعيدا عن عاصمة النظام لتأمينها له، ورغم خسارة الثورة لمخازن الأسلحة والذخيرة التي كانت تستطيع بها فصائل الغوطة منفردة أن تسقط النظام في دمشق لو تحررت من ارتباطاتها وتخلصت من ارتهان قرارها، ورغم أن النظام جيش عملاءه في المناطق المحررة كي يرتفع صوت المصالحات الآثمة مع المجرم، ورغم أن اليأس بدأ يتسرب إلى نفوس البسطاء الذين أسقط في أيديهم بعد أن صدمتهم مشاهد التسليم على أيدي الفصائل الكبيرة المرتبطة، ورغم انكشاف وجود مشايخ الضفادع وهم المرتبطون مع النظام المجرم، إلا أن الثورة كسبت المزيد من القوة والمزيد من التماسك.
فأن ترى الثورة بالعين الباصرة أن الفصائل المرتبطة تسلم الأعراض والبلاد في مشهد قاس لا يردعها عنه رادع ولا إيمان، فتعرف الثورة عن قرب خطر الارتباط على وجودها وخطر الفصائل المرتبطة على مصيرها فتسعى لتحجيم الفصائل ونزع قرار الثورة المرتهن من أيديها وإعادة القرار إلى الثورة فهذا إعادة بناء داخلي للثورة لا بد منه وهو نفسه قوة للثورة. وأن تقوم الثورة بالتعرف على نقاط الضعف الموجودة فيها وكشف خطر مشايخ الضفادع المرتبطة مع النظام المجرم؛ لإزالة هذا الخطر المحدق بالحاضنة. هذا عامل قوة للثورة يزيد من تماسكها. وأن تبحث الثورة عن قيادة لها مخلصة بعيدة عن الارتباط والدول، واعية على الطريق والهدف فهذا عامل قوة للثورة. وأن تقوم الثورة مدركة ضرورة إيجاد بديل للفصائل المرتبطة قبل أن تكمل الفصائل مشروع تسليم الثورة للنظام، فتخلص الثورة للمجاهدين الصادقين وترص صفوفهم وتضع عليهم قيادة عسكرية مخلصة من الضباط الثوريين غير المرتبطين أصحاب الأيادي البيضاء والخبرة فهذا قوة للثورة.
بالمحصلة ليس فَقْدُ شبرٍ من الأرض هو الخسارة، وليس الضربة التي تلقتها الثورة على أيدي الفصائل المرتبطة هو النهاية، فالضربة الموجعة إن لم تقضِ عليك فاعلم أنها تزيدك قوة، وكذلك الثورة؛ حقا تلقت ضربات من الفصائل المرتبطة وكان وقع هذه الضربات مؤلما عليها لكنها صحّت الحاضنة ووعت على خطورتها فلم تعد تنخدع بالارتباط ولم تعد تنخدع بدور الفصائل ولا بأعمالها من اقتتالات بينها.
فيا أهلنا في الشام صبرا صبرا، وثباتا ثباتا، فالنصر له ثمن وها أنتم تدفعونه، والنصر له موعد وموعده قد آن أوانه بإذن الله ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، ولقد أوصاكم نبيكم أن امتازوا عن المنافقين. فليس ينتصر فسطاط فيه المنافقون غالبون، فاسحبوا قراركم من أيدي الفصائل المرتبطة ولتخرج قيادة منكم تقود حاضنتكم على ثوابت ثورتكم بما يرضي ربكم وأعيدوا رص صفوف مجاهديكم المخلصين تحت قيادة عسكرية مخلصة.
﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
بقلم: م. كامل الحوراني
رأيك في الموضوع