أنهت السلطات اللبنانية بناء جدار إسمنتي حول أكبر مخيمات لاجئي فلسطين مخيم "عين الحلوة"، الذي يقطنه ثمانون ألف نسمة قرب مدينة صيدا في جنوب البلاد.
وقد التف هذا الجدار بارتفاع يتراوح بين خمسة وستة أمتار بوضع أسلاك شائكة عليه مع تشييد أبراج مراقبة عالية تصل لارتفاع تسعة أمتار وأبواب حديدية على مداخل المخيم، رغم الوعود بوقف بنائه، ودون اعتبار لأي صوت أو رأي لأهل هذا المخيم، الذين هُجّروا عن أرضهم وعانوا عقودا وهم مُبعدون عن أهلهم وديارهم رغماً عنهم.
إن السلطات اللبنانية وكعادتها لم تتعاط مع أحوال أبناء فلسطين إلا من الناحية الأمنية في وقت أهملت معالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها لاجئو فلسطين في لبنان. فأنشأت هذا الجدار بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيم، بحجة الحفاظ على الأمن ومكافحة (الإرهاب) الذي أصبح وصمة لأي تجمع للمسلمين على هذه الأرض باعتباره بؤراً (إرهابية) يجب الحذر منه!
لقد أضحت العوائل الفلسطينية في هذا المخيم في معتقل كبير في ظل وجود الأبراج والأسلاك الشائكة، وغيرها من الحواجز التي تستخدم عادة في السجون، ما يشكل عليهم عبئاً إضافياً وشعوراً بأنهم مسجونون داخل بيوتهم لا يسعهم سوى النظر إلى السماء لرؤية رحابتها بعد أن ضاقت الأرض عليهم بما رحبت.
ومع اشتداد الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، وغياب أي وضع قانوني لوجود عشرات الآلاف من أهل فلسطين في لبنان، باتت المخيمات الفلسطينية هي العنوان الإنساني الأبرز بكل ما تحمله من تفاصيل إنسانية مؤلمة، إذ يعيشون في أوضاع إنسانية واقتصادية مزرية لعدم حصول أي تغيير جوهري على القوانين اللبنانية تجاه هؤلاء اللاجئين، الذين لا يزالون عرضة لقانون تمييزي تم العمل به في عام 2001 والذي يمنعهم من حق التملك وتسجيل ممتلكاتهم بالشكل القانوني، مع صعوبة إمكانية وصولهم إلى سوق العمل، ومنعهم من العمل في 25 مهنة خصوصاً المهن الحرة، كالطب والهندسة والمحاماة والصيدلة وغيرها من المهن التي تتطلب عضوية نقابية، فضلاً عن القيود المشددة على السماح بتوسيع رقعة المخيمات أو إدخال مواد البناء إليها.
كل هذا الإجحاف يُضاف إلى التقصير اللافت لتقديمات الأونروا والتي تتمثل بسوء الرعاية الصحية وتقديم العلاجات اللازمة، إذ استمرت خلال عام 2017 بنفس البرنامج الصحي الذي اعتمد منذ عام 2010، بتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية في عياداتها بنفس مستوى السنوات السابقة، رغم حاجة هذه العيادات إلى إدخال التقنيات الحديثة وتزويدها بأطباء اختصاصيين في شتى المجالات. بالإضافة إلى غياب التخطيط التربوي وعدم وضع الحلول للمشاكل التي تشكو منها المؤسسات التعليمية التابعة لها، وخصوصاً تحديد احتياجات المدارس من المدرسين ومستلزمات العملية التربوية مطلع كل عام دراسي.
فبدلاً من أن تقوم الأونروا بالعمل المنوط بها منذ تأسيسها بموجب قرار من الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1949م بتحسين خدماتها للاجئي فلسطين، خصوصاً وأن الدولة اللبنانية لا تقدم لهم أي خدمات أساسية، بالإضافة إلى حرمانهم من حقوقهم المدنية والحياتية والاقتصادية، بدلاً من ذلك بادرت هذه المنظمة إلى تقليص خدماتها من حيث:
- تقليص الخدمات في مجال التعليم من خلال دمج المدارس ووضع 50 طالبا في الفصل الدراسي.
- وقف عمليات التوظيف لموظفين ومدرسين جدد، وتحفيز الموظفين القدامى على الاستقالة المبكرة.
- إعطاء إجازات قسرية وبدون مرتب للموظفين حسب ما تراه الإدارة دون مراعاة الوضع المعيشي للموظف.
- انخفاض عدد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الجامعيين إلى أكثر من 50% عن السنوات السابقة.
- تقليص الخدمات الصحية وإجبار المرضى منهم على المساهمة بنسبة من العلاج تفوق قدراتهم المالية، رغم ظروف الفقر والبطالة التي يعاني منها اللاجئون.
- وقف بدل الإيواء للاجئي فلسطين من سوريا، الذين ما زالوا يعيشون في بيوت مؤقتة وكراجات ومنازل مستأجرة.
- إنهاء عقود الكثير من الموظفين سواء على برامج الطوارئ، أو موظفي المخازن وقيادة السيارات والشاحنات، وعدم توظيف بدلاً منهم.
إن هذه القيود والإجراءات المجحفة من قبل الدولة اللبنانية باعتبارها، وكما يُطلق عليها "دولة مضيفة"، بالإضافة إلى خطوات الأونروا التقليصية للخدمات، إن هذه الإجراءات فاقمت من أوضاع لاجئي فلسطين في لبنان والنازحين منهم من سوريا وزادت من معاناتهم اليومية، مما دفعهم للقيام بموجة متواصلة من الاحتجاجات ضد سياسات الأونروا، التي تعزو السبب دائماً إلى ضعف التمويل.
وباختصار شديد، إن الوضع الإنساني للاجئي فلسطين في لبنان يزداد هشاشة يوماً بعد يوم، لنسأل "هل هكذا يكون إكرام المُضيف لضيفه؟!! وكم من الوقت نحتاج لنعلم أن مشكلة لاجئي فلسطين لا تُحل بمنظمات تُسمى إنسانية أنشاها نظام رأسمالي فاسد وعفن، يشوبها الفساد الإداري وتتحكم فيها المصالح السياسية؟!
إن الحل يكمن برفع الظلم من مكمنه ومن جذوره فتتلاشى كل تبعاته المؤلمة التي عانى ويعاني منها الملايين، إنه ظلم الرأسمالية وما نتج عنه من استعمار واحتلال للبلاد الإسلامية. فقضية فلسطين ليست هي قضية أهل فلسطين أو العرب وحدهم بل هي في واقعها قضية إسلامية. قضية أرض إسلامية وقضية مقدسات إسلامية اغتصبها يهود الكفرة بمؤازرة من دول الكفر الكبرى: بريطانيا وأمريكا وبتعاون من حكام المسلمين العملاء. فتحولت إلى حلبة صراع دولية بين هذه الدول على مدى العقود الماضية، وتحولت إلى مسألة من مسائل العلاقات الدولية لا شأن للمسلمين فيها سوى الشجب والتنديد على لسان حكامهم، وتنفيس مشاعرهم التواقة لتحرير الأقصى من رجس يهود بمظاهرات وإحراق للأعلام الغربية.
وبقي أهل فلسطين واللاجئون منهم وقود هذا الصراع طوال العقود الماضية، وما زالوا حتى الآن، يدفعون من دمائهم وأرواحهم ثمناً من أجل تحرير أرضهم، ويعيشون القهر والعذاب في بلاد اللجوء على أمل تحقيق حق العودة المزعوم.
يا حكام لبنان المضيافين!
ليس بالتعامل الأمني والعسكري يتم التعامل مع الضيوف، فالواجب إكرامهم لا قهرهم وسجنهم بين جدار العزل الشبيه بجدار الفصل العنصري الذي أنشأه كيان يهود، وما أشبهكم به وأنتم تشهرون سيف (الإرهاب) لوصم المخيم وأهله به. فهل ستتحملون مسؤولية الوضع اللاإنساني الذي فرضتموه؟
أيها المسلمون في لبنان:
إن لاجئي فلسطين هم أهلنا وما يضنيهم يضنينا وما يحاك ضدهم ليس إلا لأنهم مسلمون يخشاهم رجال الأمن والسياسة منفذين إملاءات الغرب عليهم بزيادة الخناق والتضييق ليس على المخيمات الفلسطينية فحسب بل على المسلمين عامة، لكسر شوكتنا وإخضاعنا أكثر فأكثر وإخماد كل حركة أو محاولة للتفكير الواعي الصحيح لأحوالنا، والذي من شأنه معرفة العدو الحقيقي لنا، فيلهوننا بلقمة عيشنا وبمشاكلنا وأزماتنا الداخلية، بل ويفتعلون الفتن والصراعات فيما بيننا مستفيدين بالمشاعر الوطنية النتنة وأحقاد المذهبية ليزيدوا شرخ التفرقة والتجزئة التي ألمّت بالأمة الإسلامية.
إنها دعوة ونداء للمسلمين ولأهل القوة والمنعة فيهم، أن يصيخوا السمع لاستغاثات الحرائر والشيوخ والأطفال، وانتهاك الأعراض والحرمات، بأن تتحرك الدماء في العروق، وتشتاق الأنفس إلى دنيا عيشها كريم، وإلى آخرة نعيمها مقيم، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإيجاد الخليفة التقي النقي ليقاتل من ورائه ويُتقى به، فينقذ البلاد والعباد قبل أن يستفحل الخطب ويزداد. والله قوي عزيز.
بقلم: رنا مصطفى
رأيك في الموضوع