أخيرا وبعد قرابة 6 أشهر وقع الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في المغرب وذلك بعد أن أصدر الديوان الملكي بيانا يوم 15 آذار/مارس 2017 ينص على إعفاء الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران من تشكيل الحكومة بعد تعطل فاق الخمسة أشهر ودون توصل إلى صيغة توافقية أو تشاركية مع الأحزاب الأخرى لتحقيق الأغلبية التي تمكن الأول في الانتخابات من تشكيل حكومة مستقرة، وقد فوض الإصدار الملكي القيادي (سعد الدين العثماني) من الحزب نفسه بهذه المهمة، ومرد هذا التأخير هو رفض كثير من الأحزاب مساعدة عبد الإله بن كيران وحزبه على الحكم مجددا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة (تشرين الأول/أكتوبر 2016)، ويقال إن المخزن (القصر) عمل بدوره على هذا التعطيل.
وزاويتنا هنا ليست الملابسات السياسية وحيثيات هذا الخبر وإنما بيان فساد الديمقراطية وتناقضها وهشاشتها في إيجاد الحكم الحقيقي فضلا عن الحكم الراشد. فالديمقراطية تجعل الحكم حالة مائعة قابلة للمساومة والمحاصصة والترضيات والتلفيق، هذا ما نراه بكثافة في أزمات الحكومات حين تشكيلها وحين عملها، ما يدعو في كثير من الأحيان إلى حل البرلمان وإعادة الانتخابات والأصل في الحكم أن يكون بيد الحاكم (الرئيس) الذي ينتخبه الناس ويرتضونه وهو الذي يتولى الحكم ويعين المفوضين والمنفذين ثم يحاسب على هذا الأساس في كل شؤون الحكم؛ فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته.
وهذا ما نجده في نظام الحكم في الإسلام فالناس إذا اختاروا حاكمهم (وهو الخليفة) يكون مقتضى حكمه أن يعين من يتولى أمر الناس نظرا ورعاية ويتحمل هو مسؤولية التقصير أو التجاوز إن كان، وعليه واجب التدارك... أما مجلس الشورى أي الناس الذين ينتخبون بصفتهم الحزبية أو الفردية فإن حقهم وواجبهم هو محاسبة الحاكم ومن يمثله في كل صغيرة وكبيرة إن خرج أو تجاوز عقد المراضاة الذي على أساسه انتخب وبويع، أي تطبيق أحكام الإسلام ورعاية شؤون الناس بها، وفي هذا متسع للتنافس بين الأحزاب لإثبات مصداقيتها وإخلاصها وجدواها، لا أن يكون انتخابهم غنيمة لحكم أو بعض حكم ولو على أساس التنازلات والتلفيقات التي تجعل الحكم مزقا وشتاتا وليس جهة واحدة متجانسة من تلك الائتلافات الحاكمة التي توزع الحقائب الوزارية بين اشتراكي ورأسمالي ومن يدعي الصفة الإسلامية... ليصبح الحكم خليطا لا يمكن المشارك في الحكم من تطبيق شيء من منهجه ولا من يترأس الحكومة قادرا على القرار فيسقط في متاهة الحسابات والترضيات وكل ذلك على حساب الناس وشؤونهم المعطلة...
هذا لا يليق بأمة الإسلام التي لا تنازع في منهج الحكم من كونه الحكم بما أنزل الله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]
فأمة الإسلام عندها أرضية تشريعية معلومة ومرضي عنها... أما الاختلاف بين أفرادها والأحزاب فيكون فيمن هو أجدر وأكثر كفاءة وإقناعا في التطبيق (الحاكم) أو المحاسبة (مجلس الشورى)...
أما ما نراه اليوم من تقليد أعمى للصيغ الغربية في الحكم وتأليف الحكومات فهو أصل العطالة وأصل البلاء... والواجب أن نرفع رؤوسنا ونكف عن هذه الصيغ الملتوية التي طال إيهام الناس ومخادعتهم بها وحاصلها فوضى وعجز، فنظام الحكم في الإسلام يرضي ربنا بما هو أحكام شرعية ويطابق واقع الحكم.
بقلم: رضا بالحاج*
رأيك في الموضوع