"قيامة الموصل"، هكذا وصف الدكتور آدم سودارسون، أحد الأطباء الأوروبيين المتطوعين لإغاثة أهل الموصل، الوضع في المدينة.حيث ذكر أن "الإعلام لم ينقل ربع حقيقة ما يجري في الموصل حتى الآن" وأضاف في حديثٍ لـ "العربي الجديد" أن "قائمة القتلى تزداد كل يوم، والأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتفرج فقط، وبغداد وواشنطن لا تريدان أي شيء سوى ربح المعركة".
معركة الموصل، ليست معركة تقليدية، فقد شاركت فيها دول عظمى، بخططها العسكرية، وبجيوشها وطائراتها وأحدث أسلحتها وصواريخها، وجهدها الاستخباراتي، لأهداف عسكرية واقتصادية وسياسية بعيدة المدى، وفي مقدمة هذه الدول أمريكا رأس الأفعى وفرنسا وبريطانيا، جاءت بحجة القضاء على تنظيم الدولة وإخراجه من المدينة، والدليل أنها أنشأت قواعد عسكرية حول الموصل في القيارة وحمام العليل وبعشيقة ومخمور، وتمركزت في قاعدة الحرية في كركوك.
لقد مضى على معركة (تحرير الموصل) أكثر من ستة أشهر، وقد حققت أهدافها العسكرية، في طرد التنظيم من الساحل الأيسر للمدينة، وسط مشاركة من الجيش والشرطة العراقيين والحشد الشعبي الذي يعتبر في الوقت الحالي مؤسسة رسمية والتحالف الدولي بقيادة أمريكا والتي بدأت تأخذ مواقع في مقدمة المعارك الحالية في الساحل الأيمن، ثمن هذا (التحرير) كان دماراً وخراباً ونزوح آلاف العائلات بسبب العمليات القتالية، وجرائم التنظيم لسنتين ونصف، الذي سامهم مر العذاب من قتل وذبح واعتقال ورمي من أعلى البنايات، ودهس بالدبابات، وتفنن في أغرب طرق القتل والذبح والإعدام، تلاهُ قصف طيران التحالف للمدينة الذي لم يبق لهم دائرة وعمارة وجسراً وجامعة وسوقاً إلا وتم تدميره بشكل كاملا، فضلاً عن اتباع تنظيم الدولة سياسة الأرض المحروقة، فقام بحرق وتدمير الدوائر والمؤسسات الحكومية التي كان يتخذها معامل ومصانع تفخيخ وتفجير وتصنيع لمواجهة الجيش، كما حصل في مكتبة جامعة الموصل وكلياتها، وبقية الدوائر الحكومية، كما وأجهز على جميع الرموز والآثار الحضارية والتاريخية للمدينة، حتى جوامع الأنبياء عليهم السلام (يونس وجرجيس وشيت) لم تسلم من إجرامهم، فقاموا بنسفها، وهكذا التقت الأهداف الأمريكية الخبيثة مع جرائم تنظيم الدولة، في تدمير المدينة تدميرا كاملا، بحجة التحرير... رافق هذا الدمار والخراب موجة نزوح رهيبة خصوصاً بعد أن أعلن عن بدء عملية استعادة غربي الموصل (الجانب الأيمن) في 19 شباط/فبراير والذي يعد أكثر اكتظاظا من القسم الأيسر للمدينة وخاصة الأحياء والأزقة الضيقة القديمة، هذه المعارك دفعت إلى نزوح أكثر من 215 ألف شخص، وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، عاد البعض منهم بعد فترة إلى منازلهم. وأشارت المنظمة إلى أن حوالي 50 ألفا من هؤلاء النازحين هم من سكان الجانب الغربي من المدينة. لكن هذا العدد يمثل جزءا صغيرا من قرابة 750 ألف مدني ما زالوا تحت سيطرة تنظيم الدولة في الجانب الغربي للمدينة. وقالت قيادات عسكرية عراقية إن "القوات الأمنية العراقية تمكنت من السيطرة على المجمّع الحكومي الذي يضم مبنى محافظة نينوى والمحكمة المركزية ومقر قيادة شرطة نينوى، بالإضافة إلى سيطرة القوات الأمنية على الطرف الغربي لجسر الحرية ثاني جسور مدينة الموصل التي تربط قسمها الشرقي بالغربي". استعادة القوات العراقية للمجمّع الحكومي ستحسم معركة استعادة الجانب الغربي من الموصل بنسبة ثمانين في المائة، وفق ما أعلن قائد الشرطة الاتحادية اللواء شاكر جودت.
من جهته، حذّر النائب في البرلمان العراقي زاهد الخاتوني، من وضع مأساوي لسكان الموصل، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الموصل باتت مدينة منكوبة بكل شيء ويمكن وصفها بمأساة العصر الحديث، والتصريحات الحكومية بشأن النازحين والاستعدادات قبيل بدء المعركة كانت خداعاً للرأي العام". ولفت إلى أن "الحكومة أعلنت بدء المعركة من دون التحضير لعمليات النزوح، فضلاً عن وجود تقصير من قبل المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي لا تزال جهودها غائبة عن المشهد تماماً". وجدد تأكيده أن "الحديث عن وجود خطط للتعامل مع موجات النزوح في الموصل على الورق فقط، ولا وجود لها".
بالنسبة للحكومة العراقية فهي مشغولة بأخذ حصتها من (كبة) الموصل ولو بقضمة؛ فالأكراد ما زالوا يرفضون الانسحاب من محيط الموصل ويصرون على كردية مناطق عديدة في محافظة نينوى ضمن ما اصطلح عليه رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني "حدود الدم"، التي تقضي بتوسيع مساحة الإقليم الكردي، مقابل ذلك يحوّل حزب "العمال الكردستاني" سنجار غرب الموصل إلى عاصمة بديلة له وينشر قواته على حدودها وفي داخلها ويرفض الانسحاب منها، فيما تقترب مليشيات "الحشد الشعبي" برفقة مستشارين إيرانيين من إكمال تمددها نحو الحدود الدولية بين العراق وسوريا. بينما ترفض حكومة حيدر العبادي أي دور لقوات العشائر ومتطوعي أبناء نينوى المدعومين من قبل أنقرة، والتي هي الأخرى ما تزال تبسط سيطرتها على جبل بعشيقة ومحيطه بمئات الجنود ترافقهم دبابات وآليات.
أما القيادات السنية فقد كثفت من اجتماعاتها استعداداً لما بعد إعلان تحرير الموصل؛ فقد عقدت أطراف سياسية سنية بارزة ورجال أعمال، في مدينة اسطنبول اجتماعاً لمدة يومين، أسفر عن انبثاق تحالف سياسي جديد يعد بمنزلة مرجعية سياسية للسنة، برعاية أطراف دولية وعربية، المصادر التي حضرت الاجتماعات في حديث لـ"عربي21" ذكرت "أن الاجتماعات كانت إيجابية ولأول مرة يتكون مشروع سني موحد يجمع أبرز الأطراف المختلفة، استعدادا لمرحلة ما بعد تنظيم الدولة والانتخابات المقبلة". سبق هذا الاجتماع انعقاد مؤتمر جنيف لقادة السنة العرب، برعاية المعهد الأوروبي للسلام، وحضرته شخصيات مهمة غير رسمية، اقترحتها إدارة ترامب، ومنها ديفيد بترايوس رئيس وكالة المخابرات الأمريكية السابق، ورئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دوفلبان، ومدير الطاقة الذرية السابق محمد البرادعي، وحشد كبير من قادة الكتل والنواب والوزراء الحاليين والسابقين في العملية السياسية، وأبرزهم صالح المطلك وإياد السامرائي رئيس الحزب الإسلامي وأسامة النجيفي وغيرهم. الغرض من هذه الاجتماعات كان واضحاً وهو التهيئة لترتيب الإقليم السني أمام الإقليم الشيعي والكردي، وهكذا يتحقق حلم الكافر المستعمر وخططه بتفتيت البلد إلى أقاليم طائفية وقومية متصارعة تسودها الأحقاد والعداوات وتنشئ بينها الحروب لأتفه الأسباب ويكون ضحيتها المسلمون أنفسهم ومن جميع الأطراف كما هو حاصل الآن. إذن أمام أهل العراق خيار واحد فقط هو التصدي لمشروع كبير وخطير جداً وراءه كافر مستعمر خبيث سيبدأ بتقسيم الموصل وينتهي بتقسيم العراق إلى أقاليم متناحرة،حيث إن أولئك الساسة أذيال الكافر المستعمر ماضون بتنفيذ المخططات اللئيمة مهما بلغت بشاعتها، ومهما اشتد ضررها، فقد استمرؤوا الخيانة ودرجوا عليها فلم يبق لهم قطرة من حياء، وباعوا آخرتهم بعرض من الدنيا قليل، ومكنوا الكافر المعتدي من رقاب شعبهم...
فنسأل الله العليَّ القدير أن يُعجل بزوالهم، ويُعجل بنصره الموعود لتعود للأمة كرامتها وعِزها في ظل الخلافة على منهاج النبوة...
بقلم: علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع