لقد استطاعت أمريكا بأساليب المكر والخداع حماية نظام عميلها بشار أسد وإطالة مأساة أهل الشام مستخدمة روسيا وإيران، وكذلك تواطأ معها العملاء حكام المسلمين.
ولكن ما حصل في حلب من تدمير للبشر والحجر ومقومات الحياة بواسطة الآلة العسكرية الروسية واستخدام القوة العسكرية المفرطة للضغط على أهل حلب والمجاهدين فيها، كل ذلك لم يكن ليسقطها بهذه السرعة لولا التآمر والخيانة والتواطؤ من الدول التي تزعم كذبا دعم الثورة وخصوصا تركيا التي سحبت ثلث المقاتلين في حلب وأريافها إلى درع الفرات متواطئة بذلك مع قادة الفصائل الذين التقوا بالروس في تركيا والذين مارسوا التخذيل والخذلان على من بقي يدافع عنها.
إن مأساة حلب بمشاهد الأشلاء والجرحى ودمار البيوت فوق أهلها، ومشاهد التشريد لمئات آلاف الناس لتدق ناقوس الخطر على الجميع؛ من حاضنة شعبية وفصائل مقاتلة، أن يتنبهوا لما آلت إليه حال الثورة نتيجة الاستهانة بأمر الله والركون إلى الكافرين والظالمين ودعمهم الزهيد ومالهم السياسي القذر، ونتيجة لعدم الاعتصام بحبل الله وحده والاجتماع على مشروع الإسلام العظيم، بل وتفرقهم على مشاريع علمانية أو مشاريع إسلامية جزئية مذهبية لا تشكل رؤية واضحة ولا تبنى عليها دولة.
إن الذي حصل لحلب وأهلها هو لفرض الإرادة الأمريكية على ثورة الشام وإنجاز حل سريع للإدارة الحالية قبل رحيلها؛ وذلك بإعادة المتفاوضين إلى طاولة المفاوضات والقبول بالحل السياسي وفق الرؤية الأمريكية، دولة مدنية علمانية تكون السلطة فيها موازنة بين الطوائف مع الحفاظ على أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، ويكون نظام الأسد فيها جزءاً مهماً من المعادلة السياسية، فيما يكون المسلمون المعتدلون بموقف ضعيف أمام الطوائف الأخرى، وهذا يهدف إلى منع إقامة حكم إسلامي يسعد الجميع فيه بعدل الإسلام ورحمته.
كما أنه بعد سقوط حلب من الممكن، وهو ما هدد به المبعوث الأممي دي ميستورا، أنه يخشى من أن يفعل نظام الأسد في إدلب كما فعل في حلب، وهذا أمر متوقع يجب أن لا نغفل عنه ولا نخدع بالتصريح الروسي من وقفٍ للقتال بشكل كامل لأن أمريكا لا تطمئن إلى حلها السياسي في ظل وجود أكثر من عشرين ألفا من المجاهدين المخلصين في رقعة واسعة من ريفي حلب الغربي والجنوبي وإدلب وأريافها وأرياف حماة وبعض من ريف اللاذقية.
إن ما بعد حلب أمر خطير جدا، إن كان لجهة الخضوع والقبول بالحل السياسي أو لجهة استمرار الفصائل على ما هي عليه من التفرق والتنافس على القيادة والتخاذل نتيجة الارتباط بالخارج والانخداع بالدول التي تزعم كذبا صداقة الشعب السوري، مما يهدد بكارثة أفظع مما حصل في حلب، وفي كلا الحالين يستهدف القضاء على الحالة الثورية والجهادية التي حصلت في سوريا والقضاء على آلاف المجاهدين الصادقين المخلصين، لذا يجب على أهل الشام جميعا التحرك للخروج من هذه الحالة ومواجهة هذه التداعيات والعمل على إعادة صياغة القوى المجاهدة على أساس مشروع سياسي واحد واضح منبثق من عقيدة الأمة ودينها وبقيادة عسكرية واحدة محترفة صادقة ومخلصة وغير مرتبطة بالدول الغربية أو الإقليمية ولا بأي شكل من أشكال الارتباط، كما يجب على أهل ثورة الشام أن يتخذوا قيادة سياسية تحمل لهم مشروع الإسلام العظيم لتقيم بهم على أساسه خلافة على منهاج النبوة.
إن سقوط حلب لا يجب أن يفت في عضد الأمة بعامة وفي أهل الشام بخاصة، بل يجب أن يكون حافزاً لهم ومذكرا بأن النصر يأتي بعد الشدة والابتلاء وتمحيص الصادقين من المنافقين كما نصر الله أنبياءه في مواطن كثيرة؛ فشق البحر لموسى بعد أن أدركه فرعون، وهزم الأحزاب في الخندق بعد أن أحاطت به الأحزاب من كل الأقوام، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
بعد ما حصل في حلب لا بد من مراجعة شاملة على المستوى الإيماني والثقة بنصر الله وحده وترسيخ مفاهيم أن النصر والرزق والأجل بيد الله وحده، قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾. كما لا بد من المراجعة السياسية والاستفادة من الصورة الواضحة لموقف العالم المعادي والمتآمر والمتواطئ ضد ثورة الشام والتنبه لكل الأساليب والخطط المخادعة والمراوغة - التي مارستها راعية النظام أمريكا وداعموه الروس والإيرانيون، وتواطأ معهم عليها أصدقاء الثورة المزعومون - من هدن ومفاوضات وتجميد لأكثر الجبهات، وحصار ومصالحات وتهجير في كل المناطق، وغدر وخيانات واختراق للفصائل بشكل سري وعلني.
إنه لا بد من الوعي والإحساس السياسي بكل ما جرى، واتخاذ الموقف الحازم والحاسم والإعداد والاستعداد لذلك والتصميم على أخذ زمام المبادرة واستعادة المناطق التي خسرتها الثورة بعد تحريرها.
نعم يجب إعادة التذكير بالثبات على أهداف الثورة؛ من إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام والعمل على فك الحصار عمن لا يزال محاصرا وإبعاد شبح الحصار عن مناطق يسعى النظام لحصارها، كما يجب التفكير والعمل والتصميم على استعادة حلب كلها وأخذها من النظام لأنها تشكل رافعة قوية للثورة من جديد والعمل على إشعال كل الجبهات وضرب النظام في خاصرته وحاضنته الشعبية في الساحل، مع بقاء العين على العاصمة دمشق والإعداد لفتحها؛ لأنه لن يسقط النظام إلا بتحريرها فهناك رأس الأفعى والتي استمات النظام ومن خلفه في حمايتها وتأمينها.
إن العودة إلى زخم الثورة أمر ممكن إذا تذكر الناس بداياتها الحماسية المندفعة والإخلاص الذي تحلّوا به وشعاراتهم الصادقة "هي لله"، وتذكروا ما قالوه عن حقائق لمسوها في بداية الثورة وأكدها خداع الحكام وصمتهم "ما لنا غيرك يا الله"، واتبعوا المنهج القويم والقيادة الفكرية والسياسية التي عبروا عنها بشعارهم "قائدنا للأبد سيدنا محمد".
يجب الحذر من أن تستكمل الفخاخ السياسية والخدع التضليلية من بعض الدول الراعية لبعض الفصائل وهي تزعم لها أنها ضامنة لتمثيلهم السياسي في أي حل على أن يتخلوا عن السلاح وعن الجهاد وعن المجاهدين المخلصين الذين تصنفهم تلك الدول بأنهم إرهابيون لأنهم يريدون تحكيم الإسلام، وأن يتخلوا عن الإسلام كنظام حكم ويكتفوا منه بالعبادات والمواعظ والشعارات، يجب الحذر من هذه الأنظمة ومن مالها السياسي القذر، فما حال هذه الأنظمة أمام سيدتهم أمريكا إلا كحال قادة كثير من الفصائل المربوطين بالدعم والمخدوعين بهذه الأنظمة، فأمريكا تخدع الجميع من حكام وقادة فصائل فالركون إليهم مهلكة وفخ قاتل.
إن الحل بعد كل ما جرى هو التمسك بحبل الله المتين ونوره المبين واتباع نهج سيد المرسلين في إقامة الدين، فكل الطرق إلى الله مسدودة إلا طريقة محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه الطريقة في إقامة دولة الإسلام واضحة في سيرته عليه الصلاة والسلام من حمل الدعوة إلى الإسلام عقيدة ونظاماً سياسياً، واحتضاناً له من الأمة وتأييداً عن وعي عام ينتج عنه رأي عام، ونصرةً له من أهل القوة من المجاهدين المخلصين قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
بقلم: محمد سعيد الحمود
رأيك في الموضوع