إنَّ المتتبع للواقع السياسي في السودان هذه الأيام لا يخفى عليه تناول الإعلام لما يسمى بخارطة الطريق، والزخم الإعلامي للترويج لها، خاصة بعد أن طلبت الحكومة من المستعمِرة العجوز بريطانيا التدخل للضغط على الحركات المسلحة؛ فقد جاء تحت عنوان: الحكومة تطلب من لندن دوراً صارماً تجاه رافضي خارطة الطريق! نشرت الصحف يوم 12/5/2016م لقاء وزير الخارجية السوداني (غندور) مع المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان، واتفق الجانبان على أن (خارطة الطريق) تمثل الإطار المناسب لإحلال السلام والاستقرار في البلاد.
فما هي خارطة الطريق؟ ومن خلفها؟ وهل حقيقة ستحقق السلام والأمن والاستقرار للسودان؟
في ظهر الاثنين 21/3/2016م وقعت الحكومة السودانية بشكل منفرد مع ثامبو أمبيكي رئيس ما يسمى بالآلية الإفريقية رفيعة المستوى في أديس أبابا على وثيقة سميت بخارطة الطريق، التي تنص على (استئناف المباحثات عاجلاً للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، واتفاقية للعون الإنساني العاجل، وأن اتفاقيات إنهاء النزاع يجب أن تتضمن القضايا السياسية المتصلة. كما تضمنت الوثيقة أن يترك النقاش حول القضايا القومية لمؤتمر الحوار الوطني بالداخل برعاية البشير. وأن تعقد آلية ما يسمى بـ(7+7) لقاءً مع الحركات المسلحة في أديس أبابا بأسرع ما تيسر).
بعد التوقيع على الوثيقة مباشرة ارتفعت أصوات الدول الغربية الاستعمارية وأدواتها في المنطقة معبرة عن رؤيتها، نافثة سموم آرائها، غير عابئة بالوسط السياسي المنهار؛ حكومةً ومعارضةً! وكان من أوائل الناعقين؛ القائم بأعمال سفارة أمريكا بالسودان (إستيفن كوتسيس) الذي أعلن وقوف الإدارة الأمريكية مع السلام والحوار في السودان، حتى يصل إلى غاياته، وتعهد بالتدخل والضغط على الحركات المسلحة للتوقيع على خارط الطريق.
وفي بيان له صدر في بروكسل الثلاثاء 5/4/2016م حث الاتحاد الأوروبي الحكومة للالتزام باتفاق خارطة الطريق، وعدَّت الناطقة الرسمية باسم الاتحاد فيديريكا موغريني في بيانها أن (التوصل لخارطة الطريق إنجاز مهم لأنه يسعى لتحقيق السلام في السودان...).
وقالت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي دلاميني زوما في بيان لها (ندعو المعارضة والأحزاب للتوقيع على (خارطة الطريق) في مدة أقصاها 28 آذار/مارس... وأضافت: إنها ترحب بتوقيع الحكومة السودانية على خارطة الطريق لحل مشاكل السودان).
والجامعة العربية كعادتها لم تتأخر عن تأييد خرائط المستعمرين وخططهم؛ ففي بيان لها ممهور بتوقيع مبعوثها في الخرطوم د. صلاح حليمة يوم الأربعاء 6/4/2016م أشادت بالتوقيع على خارطة الطريق، وناشدت الجامعة الحركات المسلحة، والأحزاب، والقوى السياسية، الرافضة والمترددة أن تعيد النظر في مواقفها والتوقيع على الخارطة.
وداخلياً جاء في بيانٍ مشترك لحزب الأمة والحركات المسلحة (أن التوقيع المنفرد يؤدي لإعادة إنتاج الأزمة). كما طلب الصادق المهدي مهلة أسبوع (بعد التوقيع) لإجراء بعض المشاورات مع أعضاء حزبه.
وعبَّر إبراهيم محمود رئيس وفد الحكومة في مؤتمر صحفي عقده الوفد في مطار الخرطوم مساء الاثنين 21/3/2016 بعد عودته من أديس أبابا بعد التوقيع: عبَّر عن أمله في أن توقع الأطراف الأخرى على الخارطة، التي أشار إلى أنها تحتوي على آراء لكل الأطراف.
إنَّ خرائط الطريقِ السياسيةِ أسلوبٌ قديمٌ متجددٌ؛ من أساليبِ المستعمرين للتدخل في بلاد المسلمين، والتحكم في قراراتهم، ورهن البلاد لأنظمتهم ومبادئهم الباطلة، فكم من خريطة وُضعت لفلسطين منذ احتلالها إلى الآن، ولكنها لم تزد الأوضاع فيها إلا سوءاً وتضييقاً. وإنه لمن المؤسف والمحزن أن تظل قضايانا رهينة بأيدي الكفار المستعمرين يتدخلون في شؤوننا، في شكل خرائط واتفاقياتٍ مذلةٍ، ونحن أمة عزيزة أعزنا الله بدينه وشرع لنا أفضل الأحكام والتشريعات لمعالجة كل مشاكل الحياة.
فالواجب أن ترفض أمة الإسلام مثل هذه الخرائط والمؤامرات والمخططات الاستعمارية التي تقدم عبر أدوات الغرب من الحكام والسياسيين والمنظمات الإقليمية والدولية؛ لتتحكم في بلاد المسلمين، فالكفار المستعمرون لا يريدون خيراً للمسلمين، ومن ظنَّ غير ذلك فقد كذّب القرآن. قال الله تعالى: ﴿يا أيُّهَا الذَّين آمنُوا لا تتِّخذُوا بِطَانةً مِنْ دُونِكُم لا يألُونَكُمْ خَبَالاً ودَّوا مَا عَنِتُّم..﴾ [آل عمران: 118]. وقال تعالى: ﴿ما يودُّ الذين كفروا مِنْ أهلِ الكتابِ ولا المشركينَ أن ينزَّل عليكُم من خيرٍ من ربِّكم...﴾ [البقرة: 105]
قال القرطبي: نهى الله بهذه الآية المؤمنين أن يتخذوا من الكفار دخلاء وولجاء يفاوضونهم في الآراء ويسندون إليهم أمورهم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله e «لا تستضيئوا بنار المشركين...» قال الحسن: أي لا تستشيروا المشركين في شيءٍ من أموركم. (البيهقي)
فالأصل هو اتخاذ الموقف الشرعي الرافض لتدخل الأعداء في شؤوننا؛ إذ إن الموقف الشرعي هو الذي يبصرنا بحقوقنا باعتبارنا مسلمين، ويجعلنا نحاسبُ الحكومةَ حتى تتوقف عن تدويل قضايا البلاد، ولتتبنى الإسلام نظاماً للحكم فهو وحده القادر على بسط العدل والأمنِ وتحقيقِ السلام.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
رأيك في الموضوع