يبقى الإسلام كلاما في بطون الكتب وأفكارا في رؤوس المفكرين ومواعظ على ألسنة الواعظين حتى يهيئ الله له سلطانا يتخذ من القرآن والسنة مصدرا للدستور والفقه تشريعا فيحكم بالإسلام ويحمل رسالته.
لقد تمكن الكافر من إزالة سلطان الإسلام بإلغاء الخلافة، فغاب الإسلام من الوجود كتشريع وتحول إلى مواعظ وسلوك فردي لا نصيب له في الدولة والحياة العامة.
ولقد أعلن الغرب الكافر حربا على المسلمين لصرفهم عن العمل لعودة الخلافة ولمنع إقامتها بعد أن لاح فجرها وأصبح يترقب قيامها ساعة بساعة.
وإن من الحرب على الإسلام التشكيك في الخلافة وأدلة وجوبها حتى أشكلت على الكثيرين، ولتجلية المسألة وبيان أدلة فرضية الخلافة ووجوب العمل لها نؤكد على ما يلي:
- إن الأدلة الشرعية تؤخذ من القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس، ولا يجوز حصرها في القرآن فقط، ففي ذلك تعطيل للشريعة وإنكار للأدلة الشرعية التي ثبتت بالأدلة القطعية.
- إن الأحكام الشرعية ومنها فرضية الخلافة تؤخذ من النص على الخلافة ومن دلالة مفهوم النص من غير ذكرها نصا.
- إن طلب إقامة الخلافة يأتي بصيغة الأمر ويأتي بصيغة الخبر وهذا من بدهيات الفقه عند أهل العلم، وإنكار ذلك يهدم تسعة أعشار الفقه الذي أخذ من دلالة المفهوم وليس من المنطوق، وهو أيضا جهل شديد يلزم صاحبه طلب العلم، فالعلماء يناقشون والجهلة يعلَّمون.
- إن الخلافة والإمامة والإمارة والسلطان وولاة الأمر مصطلحات لمضمون واحد فحيثما ذكر أحدها دل على الخلافة.
- لقد كثرت أدلة الخلافة من الكتاب والسنة والإجماع حتى بلغت العشرات فلم يبلغ حكم شرعي هذه الكثرة والاستفاضة في الأدلة.
أما أدلة الخلافة من القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾
وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾
وقال: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾
وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾
وقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾
وقال: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
هذه الأدلة طلبت الخلافة بأسلوب بليغ ومنها ما يندرج تحت القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فطلب الحكم بما أنزل الله وجعله من العقيدة يتطلب سلطانا وكذلك قطع يد السارق وإقامة الحدود وعدم جعل السبيل للكافر على المسلمين يتطلب سلطانا فأعظم السبيل على المسلمين هو السلطان، والأمر بطاعة ولي الأمر يتطلب وجوده فلا طاعة لمن لا وجود له.
وأدلتها من السنة:
قال e: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»
وقال e: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها...» إلى أن قال: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت».
وقال e : «ألا وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، فقالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول».
وقال e: « إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به».
وقال e: «,,, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
أما الأدلة من الإجماع:
- عقد البيعة لأبي بكر في نفس يوم وفاة رسول الله e، فقد كره الصحابة أن يبيتوا ليلة من غير خليفة.
- تقديم بيعة أبي بكر على واجب دفن رسول الله e وعلى تسيير جيش أسامة للجهاد وعلى قتال المرتدين، فلم يفعل شيء من هذه الفروض إلا بعد بيعة أبي بكر تعظيما للخلافة.
- إمهال عمر بن الخطاب لأهل الشورى ثلاثة أيام لانتخاب خليفة وأمر بقتل المخالف بعد ثلاثة، وهذا على مسمع من الصحابة وسكوت منهم، مما يدل على عظم أمر الخلافة.
ومن أقوال الفقهاء وخيرة السلف
- عن علي بن أبي طالب: "الإسلام أس والسلطان حارس فما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع".
- عن ابن عقيل: "إمامة المسلمين ركن من أركان الدين وأصل من أصول الإيمان وعليها يتوقف تنفيذ جميع الفرائض".
- عرفت الإمامة بأنها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي.
- عن الحسن البصري قال: "الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد ونصرة كل مظلوم".
- عن كاتب وحي رسول الله حنظلة قال:
عجبت لما يخوض الناس فيه *** يرومون الخلافة أن تزول
ولو زالت لزال الخير عنهم *** ولاقوا بعدها ذلا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى *** سواء كلهم ضلوا السبيل
وكلمة أخيرة:
إن الخلافة ليست ملكية مطلقة ولا ملكية دستورية وليست جمهورية رئاسية ولا برلمانية وليست إمبراطورية، ومن العيب أن لا يميز مسلم بينها وبين هذه الأنظمة، ثم إنها ليست حدثا في زاوية مظلمة من التاريخ وإنما هي مما يعرف من الدين بالضرورة ومن المسلمات عند المسلمين، فكانت شمسًا أضاءت الأرض بنور ربها وسادت الدنيا لقرون طويلة دان لها الجبابرة من الأباطرة والأكاسرة، وإن إنكارها لا يمحو من التاريخ دولة أمرت الملوك فركعوا.
وصدق قول القائل: وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
وختاما لقد أجمع الفقهاء وأجمعت الأمة على عقد الخلافة على مدى أربعة عشر قرنا وأجمعت على حرمة خلو العصر من إمام.
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عماد
رأيك في الموضوع