كانت ألمانيا تسير ببطء لتصبح دولة استعمارية، ومع أنها استطاعت أخيرًا أن تحوز على العديد من المستعمرات في إفريقيا، إلا أنها فشلت في تحقيق مكاسب جيدة على مدى العقود القليلة التي استطاعت فيها السيطرة على تلك المستعمرات. ومع هذا فإن ألمانيا استطاعت كمن سبقها من الدول بالوصول إلى إفريقيا، أن تغرق يديها في دم الشعوب الإفريقية.
كانت ناميبيا في جنوب غرب إفريقيا هي المستعمرة الوحيدة التي اعتبرتها ألمانيا ذات قيمة حقيقية وهناك حصلت أولى جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين. وقد ثارت القبيلتان الكبرتان في البلاد هيريرو وناما ضد الاستعمار الألماني بعد أن سرقت أراضيهم وقطعانهم، وقد أرسل الجنرال لوثر فون تروثا لسحقهم. وقد انتصر على قبيلة هيريرو في معركة ووتربيرغ في آب/أغسطس عام 1904 وبعدها دفع جميع القبيلة باتجاه صحراء أوماهيكي حيث قام بتسميم آبار المياه ليقضي على القبيلة بأكملها. وتم القضاء على 65000 إنسان من أصل 80000 من قبيلة الهيريرو، بالإضافة إلى 10000 إنسان من أصل 20000 من قبيلة ناما.
أما الناجون فقد تم حبسهم في معسكرات اعتقال حتى يموتوا من الجوع وسوء المعاملة. قام العلماء الألمان بإجراء التجارب عليهم في تلك المعسكرات. حيث قام الدكتور بوفنجر بالعمل على مرض الإسقربوط الذي يصيب قبيلة هيريرو ولكنه لم يحاول علاجه بل حقنهم بالزرنيخ والأفيون وبعدها قطع أجسادهم لدراسة تأثيرات هذه المواد. وأجرى يوجين فيشر عالم ألماني في علم الإنسان تجارب عرقية لدعم فكرة أن الألمان هم العرق الأسمى وقد مهد هذا الأساس إلى فلسفة هتلر العنصرية. حتى الموتى لم ينجوا وقد تم إرسال 300 جمجمة للتجارب في ألمانيا.
قامت ألمانيا بكل هذا بدون إحساس بالذنب وكتب الجنرال لوثر فون تروثا بكل فخر عن سياسته في الإبادة. لقد وضح كيفية تنفيذ الإرهاب العام والإجمالي "القبائل الإفريقية ستخضع فقط للقوة العنيفة. كانت وما زالت سياستي هي تنفيذ العنف بإرهاب كامل وشامل وبقسوة". "لقد دمرتُ القبائل الإفريقية بفيضانات من المال والدماء. فقط بهذه الطريقة يمكن زرع شيس ينمو ويبقى".
بعد سحق قبيلة هيريرو أصدر الجنرال فون تروثا إعلانًا بالموت للناجين "يجب على قبيلة هيرورو أن تغادر البلاد. إذا لم تفعل ذلك سوف أجبرهم بالقوة.كل رجل من الهيرورو مسلح أو غير مسلح مع أو بدون ماشية في المناطق الألمانية سوف يقتل. لن يسمح للنساء والأطفال بالدخول إلى المناطق الألمانية: سيتم طردهم إلى شعبهم أو يطلق عليهم النار. هذه آخر كلماتي إلى قبيلة هيريرو أنا الجنرال العظيم للإمبراطورية الألمانية العظمى".
إن وحشية الجنرال فون تروثا كانت بدعم من رؤسائه وطبقها جنوده على الأرض بدون رحمة. وقد وصف الرائد ستوهلمان مشهدًا من معركة أوهاماكاري حيث كتب عن طفل جريح ممدد على جانب مدفعه "الدودة الصغيرة (أي الطفل) وضع ذراعه حول عجل المدفع الذي قضى على جميع أفراد عائلته... لقد تم إخبارنا من قبل بكل وضوح، يجب إبادة جميع القبيلة، لا تبقوا على أي شيء حي". وقد وصف هيوجو فريزر وحشية معسكرات الاعتقال في ولاية سواكوبموند "لقد رأيت شخصًيا قتل ست نساء على أيدي الجنود الألمان، لقد مزقت الحرب أجسادهن، كنت هناك لمدة ستة أشهر وقد مات الهيريرو يوميًا بأعداد كبيرة نتيجة للإرهاق وسوء المعاملة". لقد استمر القتل في تلك المعسكرات بدون رحمة على مدى ثلاث سنوات، واستخدمت نفس الأساليب في إفريقيا كلها. وفي شرق إفريقيا الألمانية كانت إبادة الأبرياء ردة فعل على ثورة ماجي ماجي، حيث استخدمت المجاعة بشكل متعمد للتخلص مما بين 100000 – 300000 إنسان. وفي عام 1905 كتب أحد قواد القوات الألمانية في المستعمرة الكابتن وانجينهايم "فقط الجوع والحاجة يمكن أن تحدث الخضوع التام، الأعمال العسكرية ستبقى نقطة في المحيط".
كان الألمان قساة مثل الفرنسيين في استخدام فلسفة "التنوير" للحرب الشاملة للقضاء على شعوب بأكملها وقد ابتهج كلاهما في قطع رؤوس ضحاياهما. ولكن الألمان أخذوا الأمر إلى مستوى مخيف جديد حيث استخدموا الرؤوس في تجارب علمية مشينة لدعم وجهة نظرهم في أنهم هم - الألمان - الجنس الأفضل والأسمى من الشعوب التي ذبحوها. هذه الفلسفة الشريرة واستخدام معسكرات الاعتقال لجمع قبائل من أجل إبادتها ستكون ذات فائدة للألمان بعد 40 عامًا في معسكرات الاعتقال النازية لهتلر.
رأيك في الموضوع