بعد أسبوع من زيارة السوداني لواشنطن يوم الاثنين الموافق 15/4/2024 والتي تم خلالها توقيع مذكرة تفاهم تشمل الجانب الأمني والاقتصادي والطاقة، جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق، يوم الاثنين الموافق 22/4/2024م، وهذا ما أعلنه رئيس الوزراء العراقي في بحث ملف إنهاء وجود التحالف الدولي، أن حكومته ستقوم باتفاقيات استراتيجية ثنائية مع الدول.
ومن الواضح أن أمريكا تحاول لملمة أوراقها وتثبيت وجودها في مناطق نفوذها، فقد جاءت هذه الزيارة وتلك في وقت صعب تمر به المنطقة بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى قبل أكثر من سبعة أشهر، وما أعقبه من عدوان وإجرام قام به كيان يهود على أهل غزة الأبرياء تجاوز كل القيم الإنسانية، وكان هذا من أهم الدواعي وراء هذه الزيارة.
أما تداعيات هذه الزيارة فلا شك أنها نقلة في توجيه سياسة الدولة العراقية، فقد تم خلال هذه الزيارة توقيع 26 مذكرة تفاهم بحسب ما ذكرته قناة الحرة - واشنطن، وأبرز هذه المذكرات هي:
1- ملف التعاون الأمني، والمتضمن نشاط حزب العمال الكردستاني المعارض للنظام التركي، والمتمركز في شمال العراق، لذلك شملت زيارة الرئيس التركي بغداد وأربيل، وقال أردوغان "إنه بحث مع رئيس الوزراء العراقي الخطوات المشتركة التي يمكن أن يتخذها البلدان ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ورحب بتصنيف العراق للجماعة على أنها محظورة"، وعبر أردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع السوداني في بغداد عن اعتقاده القوي بأن وجود حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية سينتهي في أقرب وقت ممكن، وتعتزم تركيا شن عملية جديدة على هؤلاء المسلحين، هذا الربيع، وسعت إلى التعاون العسكري العراقي عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة.
2- ملف المياه: فقد وقع البلدان اتفاقية لمدة 10 سنوات بشأن إدارة الموارد المائية وتهدف لضمان "حصول العراق على حصته العادلة"، ويتضمن الاتفاق، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العراقية "تطوير سبل التفاهم والتعاون في قطاع المياه على مبدأ المساواة والنوايا الحسنة وحسن الجوار، ووضع رؤية جديدة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية والاستثمارية للموارد المائية في العراق، واعتماد رؤية تهدف إلى تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود"، ويستمر تنفيذ الاتفاق لـ10 سنوات، ويمدد تلقائيا لسنة واحدة في كل مرة بعد اتفاق الطرفين.
3- طريق التنمية، وهو مذكرة تفاهم رباعية بين تركيا والعراق وقطر والإمارات، للتعاون في "مشروع طريق التنمية". وهو مشروع لربط سككي وبري بين تركيا وأوروبا شمالاً والخليج العربي جنوباً، فالسكة الحديدية المخططة من ساحل الخليج العربي حيث ميناء الفاو الكبير العراقي في جنوب العراق إلى منفذ فيشخابور العراقي في شمال العراق المتاخم للحدود التركية، وطول السكة 1175 كيلومتراً، وطول الطريق البري بين الفاو ومنفذ فيشخابور 1190 كيلومتراً، من جانبه، قال وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو في تصريح تلفزيوني "إن المرحلة الأولى من المشروع سيتم تشغيلها العام المقبل، مشيرا إلى أن عمليات شحن البضائع (بين دول الخليج وأوروبا) عبر قناة السويس تستغرق 35 يوما وعبر رأس الرجاء الصالح أكثر من 45 يوما، أما عند اكتمال طريق التنمية فإن المدة ستنخفض إلى 25 يوما".
كما وجه الرئيس التركي خلال هذه الزيارة رسالتين تعكسان الرؤية الأمريكية:
الأولى: فيما يخص أحداث غزة، فقد قال أردوغان: "إنهم يبذلون قصارى الجهد لوقف المجازر في غزة"، وذكر كافة الأطراف المعنية بضرورة تجنب الخطوات التي من شأنها التصعيد، وأكد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بغداد أن إقامة الدولة الفلسطينية يمثل مفتاح السلام في الشرق الأوسط.
الثانية: لقاء الرئيس التركي قادة وأعضاء الكتل السياسية السنية، وقد أثار هذا اللقاء جدلاً واسعاً بين مؤيد رأى أنها امتداد للقاءات شيعية مماثلة مع الزعماء الإيرانيين، ومعارض يعتقد أنها تكشف حجم تأثير العامل الإقليمي في موازين السياسة العراقية في العقدين الأخيرين. وحقيقة الأمر أن إيران وتركيا تخرجان من مشكاة واحدة فيما يخص المصالح الأمريكية، فما حصل من تباين في المواقف من لقاء أردوغان على شكل نقاشات ومنشورات ساخنة حفلت بها مواقع التواصل الإلكتروني المختلفة، هو انعكاس للمصالح الجانبية لتركيا وإيران في العراق، والتي عبر عنها الموالون لهما، فقد قال القيادي في تحالف "العزم" حيدر الملا، تعليقاً على هذا الاجتماع، إن "الاجتماعات الجانبية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمت بالتنسيق مع الجانب الحكومي العراقي"، وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "الاجتماع مع القيادات السياسية السنية ناقش تأخير حسم انتخاب رئيس البرلمان العراقي، ومناقشة تشكيل ما تبقى من الحكومات المحلية". ويبدو أن أردوغان ناقش مع القوى السنية (طبقاً لكلام الملا) حالة التعثر التي تعاني منها محافظة كركوك التي تتوفر فيها أقلية تركمانية، غالباً ما كانت محل اهتمام أنقرة.
وفي المقابل وصف عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، لقاء الرئيس التركي أردوغان داخل مبنى السفارة التركية ببغداد بـ"المهين والمخزي" للمكون السني.
أيها المسلمون: إن كل ما تتبجح به هذه الحكومات الهزيلة من مشاريع وإنجازات أمنية واقتصادية، ما هو إلا سراب يحسبه الظمآن ماءً، لأن أصل المشكلة هو في النظام السياسي العلماني والنظام الاقتصادي الرأسمالي المطبق، فهما منبع للمشاكل، ولا يمكن أن يأتي العلاج من خلالهما مهما حاولت هذه الحكومات العميلة خداع شعوبها بوعودها العسلية، فبلد مثل العراق الغني بموارده وثرواته الهائلة ويعيش أغلب أبنائه تحت خط الفقر، أيعقل أن مثل هذه المشاريع تنقذه وقد عجزت ثرواته عن إنقاذه؟!
فالمشكلتان الأمنية والاقتصادية أساسهما هو المشكلة السياسية، وهي مشكلة نظام، ولا حل ولا علاج إلا بتغيير هذا النظام العفن، وإعادة نظام الإسلام، ذلك المنهج الإلهي الذي يعالج جميع مشاكل الإنسان، والذي أثبت نجاحه طوال ثلاثة عشر قرنا. وبتطبيق هذا النظام تتوحد بلاد المسلمين، وتنعتق من هيمنة الكافر المحتل، فتتلاشى جميع تلك المشاكل، وتنتقل الأمة من عيشة الضنك إلى هناءة العيش، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، وقال جل من قائل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع