أعلن رئيس الهيئة العامة المصرية للاستعلامات ضياء رشوان أن مصر "تقدمت بمذكرة لمحكمة العدل الدولية، حول الممارسات (الإسرائيلية) في الأراضي الفلسطينية". وقال إن مصر "ستشارك في الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات (الإسرائيلية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967".
تمخض الجبل فولد فأرا! أخيرا تحركت مصر وتقدمت بمذكرة أمام محكمة العدل الدولية، وكأن محكمة العدل يمكن أن تصدر قرارا ملزما ليهود! ولو أن قرارات تلك المحكمة يمكن أن تلزم يهود أو تردعهم لما تقدم النظام المصري بتلك المذكرة، فهو كنظام ليس مجرد داعم لكيان يهود بل شريك له في جرمه في حق أهلنا في الأرض المباركة، فهو الذي يحاصر غزة بالأسوار والحدود والمناطق العازلة ويؤخر دخول المساعدات إليها، وهو الذي سبق ودمر كل الأنفاق التي كانت تدخل البضائع لأهل غزة وكانت لهم كشريان حياة، فلا منفذ لغزة إلا من خلال مصر أو من خلال كيان يهود، فإذا حاصرهم إخوانهم فماذا سيفعل بهم عدوهم؟!
إن من يضع سورا وحدّاً بيننا وبين أهلنا في الأرض المباركة لا يرتجى منه خير، فهو حارس لكيان يهود عدو للأمة، وقد صرح سابقا أحد أركان الجيش أن مهمتهم هي تأمين كيان يهود، نعم فهم من يحولون بين الأمة وجيوشها وبين اقتلاعهم من جذورهم.
إن إقدام مصر على تقديم تلك المذكرة الآن يفهم على وجهين:
الأول: أن تكون أمريكا هي من أعطت الضوء الأخضر للضغط على كيان يهود للقبول بحل الدولتين وإنهاء الحرب أو القبول بهدنة قبل رمضان، والنظام في مصر لا قرار له ولا يتحرك من ذاته فإرادته مرهونة بقرار السيد الأمريكي الذي يخشى من دخول رمضان وما قد تحدثه الحرب من حالة غضب قد تؤدي لانفجار ربما يطيح بأنظمة عميلة وربما يوصل للحكم من لا تستطيع أمريكا شراء ذممهم أو التأثير فيهم.
الثاني: أنها ورقة فارغة لا قيمة لها تلعب بها الأنظمة على شعوبها لتوهمهم أنها تقوم بواجبها وفق القوانين الدولية التي لم ولن يحترمها أو يلتزم بها يهود، ولا يلجأ إليها إلا الضعفاء ولا تنصفهم أصلا، فهي وكل المؤسسات الدولية أدوات في يد الغرب الكافر لعقاب الشعوب المستضعفة إذا ما خرجت عن الإطار، فضلا عن أن قراراتها استشارية وليست ملزمة.
النظام المصري بهذا العمل الذي يعلم أنه لا فائدة ترجى منه إنما يحاول امتصاص غضب أهل مصر شعبا وجيشا أمام إجرام يهود، وخاصة أبنائنا في جيش الكنانة الغاضبين، ولعله هنا يريد أن يقول لهم نحن نقوم بواجبنا وفق القانون الدولي كذبا وزورا، ولو كان النظام صادقا في سعيه لأزال الحدود مع الأرض المباركة ولحرك جيش الكنانة لنصرتهم، فكل ما دون ذلك هو عبث بلا قيمة ولا تأثير له على يهود الذين يتجاهلون تلك المؤسسات وقراراتها ويدركون أنهم مشروع استعماري وقاعدة متقدمة للغرب، وأن الغرب وعلى رأسه أمريكا سيدعمون كيان يهود ولن يتخلوا عنه في حربه وسيمنعون الأمم المتحدة من إصدار قرارات ضده، ناهيك أن قرارات المحكمة نفسها مجرد قرارات استشارية لا تلزم الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات ضد الكيان الغاصب، وحتى لو كانت ملزمة فالفيتو الأمريكي والغربي جاهز لحماية مشروعهم الاستعماري. ورغم قيام يهود بما يخالف ويفشل رؤية أمريكا لتصفية وحل قضية فلسطين إلا أن يهود يدركون حاجة الغرب لوجودهم هنا، ولهذا يفعلون ما يحلو لهم مدركين أن الغرب لن يتخلى عنهم في النهاية مهما فعلوا، فالدماء التي تسيل هي دماء مسلمين لا قيمة لها في نظر الغرب، فقط ما يخشاه الغرب الآن هو تحرك مشاعر الأمة مع اقتراب رمضان وفيه، ما قد يؤدي لانفجار لا يحسب له الغرب حساب.
إن الذهاب لتلك المنظمات والمؤسسات الدولية الاستعمارية والاحتكام لها هو اعتراف ضمني بما يصدر عنها من قرارات، أي اعتراف بهذا الكيان المسخ وأن له حقاً في الوجود كدولة على أرض فلسطين، بخلاف ما فيه من تثبيط للجيوش لتدور في إطار المجتمع الدولي ولا تخرج عن سياساته التي أوجدت هذا الكيان المسخ ودعمته حتى الآن، والأخطر أنها ترسخ لدمج هذا الكيان وتأبيده في المنطقة واعتباره أمرا واقعا يجب قبوله والتعامل معه، وهو ما ترفضه كل الشعوب المسلمة التي لم ولن تقبل التطبيع مع هذا الكيان الغاصب مهما طبع الحكام وخانوا، فقضية فلسطين تبقى قضية كل الأمة ومركز تنبهها، وتعرف عدوها من صديقها من خلال مواقفه منها.
إن فلسطين لن تحرر ولن يُنتصر لأهلنا في الأرض المباركة من خلال تلك المنظمات التي أنشأها الغرب أصلا لتكون حائلا بين الأمة وبين الانعتاق من تبعيته، ولو كانت القضية مختلفة أو معكوسة لما انتظر الغرب قرارات من محكمة أو منظمة ولتحركت جيوشه فورا دون انتظار لإذن تلك المنظمات، ولتجاهلت كل قرارات تمنعها من المضي قدما فيما عزمت عليه وخططت له حتى لو كانت حربها تلك مبنية على افتراء وادعاء كاذب غير موثوق، وهذا ما فعلته أمريكا في العراق وأفغانستان، وقد تفعله في أي مكان تراه تهديدا لأمنها القومي دون انتظار لقرارات من تلك المنظمات، وشأن فلسطين هو شأن كل الأمة وقضية محورية بالنسبة لها، ولن يُنصر أهلنا في الأرض المباركة إلا بتحريك الجيوش مهما قاوم وجاهد أهل فلسطين، ومهما لجأ من لجأ واحتكم من احتكم لتلك المنظمات التي لا تستطيع أن تصدر قرارا يضر بالغرب أو يؤثر على مصالحه وسيادته في بلادنا، بل كل قراراتها لا تلزم إلا الدول التابعة والعميلة كالأنظمة التي تحكم بلادنا.
إن غاية النظام المصري من وراء تلك المذكرة ليس فرض عزلة على كيان يهود كما يدعي إعلاميو النظام والمتحدثون عنه، فالنظام وحكام العرب هم أول من يقطع تلك العزلة ويمد كيان يهود بكل أسباب الحياة، والجسر البري الذي يمتد من البحرين والإمارات مرورا ببلاد الحرمين والأردن وصولا لكيان يهود حاملا المؤن والدعم لهم هو مثال حي، والسفن التي تخرج من دمياط شمال مصر إلى كيان العدو الغاصب ذهابا وإيابا محملة بالبضائع والمؤن مثال آخر، ناهيك عن اتفاقية الغاز المبرمة والتي تعد دعما لاقتصاد يهود من نظام يدعي الفقر ويفرط في ثروات مصر ويجبي أموال أهلها، ناهيك عن كذب النظام المفضوح الذي يرفض أي مساس باتفاقية السلام المبرمة مع الكيان المسخ ويؤكد على ديمومة وجوده واحترامه له، والتنسيق الأمني مع الكيان لم يتوقف حتى الساعة.
فالغاية الحقيقية للنظام من وراء المذكرة هي تبييض وجهه أمام جيشه وشعبه وإيهامهم بأبواقه الإعلامية أنه عمل مؤثر وموجع لكيان يهود لاستباق أي هبة شعبية قد يصاحبها حراك من داخل الجيش الغاضب قد يؤدي لانفجار الوضع بما يهدد مصالح الغرب ويؤذن بانعتاق مصر من تبعيته وبالتالي يهدد وجود كيان يهود، فهذه المذكرة في حقيقتها هي حرص على كيان يهود ودفاع عنه.
إن التحرك الحقيقي الواجب والفاعل المنتج الآن هو تحرك الجيوش أولا لاقتلاع حكام الضرار وأنظمتهم التي تحول بينهم وبين تحرير فلسطين ونصرة أهلها، وإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق أحكامه وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد رسالة هدى ونور، والتي من يومها الأول ستعلن ضم كل بلاد الإسلام وتوحيد جيوشها وتعلن النفير العام وتجيش تلك الجيوش للتحرك فورا نحو أرضنا المباركة لتحرير كامل أرضها ونصرة أهلنا في الأرض المباركة، وحينها لن تمر سويعات حتى نستعيد كامل الأرض والمقدسات وسيتخلى الغرب مرغما عن هذا الكيان بعد أن يسقط في يديه لإدراكه عدم قدرته على مواجهة الأمة ودولتها وجيوشها الجرارة، هذا هو السبيل ولا سبيل غيره، فاللهم هيئ لنا أنصارا يبايعون على اقتلاع تلك الأنظمة واستعادة سلطان الأمة ودولتها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع