محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، هو شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالا وصولا إلى معبر كرم أبو سالم جنوبا بطول 14 كيلومتراً، عبارة عن منطقة فاصلة عمقها حوالي 500 متر تم إنشاؤها طبقا لاتفاقية كامب ديفيد، ويعلن كيان يهود نيته السيطرة عليه وبناء جدار عازل تحت الأرض، لغلق الأنفاق أمام أي محاولات للهرب من غزة أو تهريب السلاح إليها، وهذه الغاية هي المقصودة فعلا من رغبة كيان يهود في السيطرة على هذه المنطقة العازلة. فكيان يهود يعلم لمن يكون ولاء النظام المصري، ويعلم أن ما يصرح به النظام المصري ويقترحه ويعمل عليه ليس مشروعا خاصا بمصر بل هو في إطار ما تريده أمريكا من أجل تصفية قضية فلسطين من خلال حل الدولتين الذي يوجد كيان يهود جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح تكون طوقا يمنع الكيان من التوسع ويحميه من ضربات المجاهدين في الأرض المباركة.
إن نتنياهو يعرف قواعد اللعبة وتوجهات اللاعبين فيها، وأن غايتهم مرتبطة بإرادة سادتهم في البيت الأبيض، ويعلم أن هذه الحرب هي ملجؤه الأخير وأن نهايتها تعني نهايته فيخوضها كحرب وجود له وللكيان الغاصب، وهو يعلم أن أمريكا تريد تصفية قضية فلسطين من خلال حل الدولتين الذي يرفضه اليمين المتطرف وعلى رأسه نتنياهو نفسه، فهذا الحل يصطدم مع حلم يهود بالتوسع ويصطدم مع واقع وجود فلسطينيين في الداخل وعلى جانبي الكيان يمثلون مثلث عداء ونقاطاً حية للهجمات عليه. ولهذا فحل الدولتين ليس مقبولا عند يهود ويسعون لإفشاله بكل السبل، ويعلن كيان يهود رغبته في تهجير سكان القطاع إلى مصر وقد صرح بذلك وطالب النظام المصري بقبولهم كلاجئين مهجرين، وكأن أمريكا تترك لهم المجال لعلهم يفلحون في عملية التهجير، وهي تدرك أنهم لن يستطيعوا ذلك رغم كل جرمهم في حق أهلنا في غزة وكم التدمير والحرق والقتل المستعر لأطفال ونساء وشيوخ، ورغم هذا لم يتمكنوا حتى الآن من تهجير سكان غزة ولم يفتح النظام المصري حدوده ليستقبلهم، بل لقد أعلن النظام رفضه فكرة تهجيرهم إلى سيناء وطالب الكيان بتهجيرهم إلى النقب، ولم يكن للنظام أن يرفض أو يقبل مثل هذا لولا أن تلك هي إرادة سادته في البيت الأبيض، فقد كان يمكنه استغلال الأمر في إسقاط الديون مثلا لكي يتحسن الوضع الاقتصادي قليلا ولو لبضع سنوات ليصير في أعين الناس بطلا تغلب على الأزمة الاقتصادية واستضاف أهلنا وإخواننا في غزة ونجاهم من بطش يهود وإبادتهم! إلا أن إرادة سادته لا تقتضي القبول بل تلزمه رفض الأمر بالكلية لكونه يخالف مصالحهم ورؤيتهم لكيفية تصفية قضية فلسطين لا حلها.
على مدار السنوات الماضية قام النظام المصري بهدم الكثير من الأنفاق التي كانت موجودة أسفل هذا المحور وكانت تمثل شريان حياة للقطاع، إلا أن هناك أنفاقا لا زالت موجودة حتما، وبعلم النظام يتم تهريب السلاح وغيره منها إلى داخل القطاع بالشكل والكم الذي يبقي الحرب مشتعلة ويفشل نتنياهو وإدارته لها، ويهود يدركون هذا حتما ولا يثقون في أحد، ولهذا فسعيهم لاحتلال هذا المحور لحصار قطاع غزة حصارا كاملا، وبناء جدار عازل تحت الأرض غايته غلق ما تبقى من أنفاق وتأمين أنفسهم بيدهم لا بيد الجيش المصري الذي يرتبط قادته بأمريكا، ولو اقتضت مصالح أمريكا التفريط بهم فستفعل رغم كون الكيان نفسه مشروعا استعماريا غربيا ووجوده واستقراره أولوية لدى الغرب وساسته، ولهذا ألزمت حكامنا العملاء حمايته ودعمه ومنع الشعوب من الانتفاض غضبا لأهل فلسطين وتكبيل الجيوش ومنعها من نصرتهم.
قبل أيام، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن وزير جيش يهود يوآف غالانت طرح على نظيره الأمريكي لويد أوستن إقامة جدار تحت الأرض، في الجانب المصري، لفصلها عن قطاع غزة، بتمويل أمريكي. وأوضحت الصحيفة أن الجدار المقترح قد يصل طوله إلى 13 كيلومترا، ويتضمن مجسات وتقنيات للكشف عن احتمال وجود حفر وشيك بالقرب منه، الأمر الذي يتطلب وجودهم في المحور واحتلالهم له.
من جانبه أعلن النظام المصري تحفظه على خطط كيان يهود لإعادة احتلال المحور، وأنه سيرد على ذلك "سياسياً وقانونياً"؛ لمنع تفاقم الأزمة في المناطق الحدودية، خاصة أن تلك الخطوة تتطلب توقيع بروتوكول جديد بين القاهرة وتل أبيب، وهو ما سترفضه مصر، وكان آخر ذكر للمحور في تصريحات نتنياهو، الذي قال السبت إنه "يتعين على الكيان أن يسيطر بشكل كامل على المحور، لضمان نزع السلاح في المنطقة"، مضيفا في مؤتمر صحفي: "محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا. يجب إغلاقه. من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".
مع تكرار هجوم الكيان، نقلت قناة القاهرة الإخبارية (المحسوبة على الدولة) عن مصادر مصرية مطلعة، قبل أيام، نفيها ما أورده الإعلام العبري حول بدء دبابات الكيان عملية برية من كرم أبو سالم لمحور فيلادلفيا على حدود القطاع مع مصر، واعتبر المحلل العسكري وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية اللواء منير حامد أن "تصريحات نتنياهو بالسيطرة على محور فيلادلفيا هي تصريحات المأزوم، ويوجهها للداخل (الإسرائيلي)، لأن هذا المحور له وضع خاص في اتفاقية السلام بين مصر و(إسرائيل)، وأي تحرك عسكري هناك سيكون خرقا للبروتوكول العسكري الملحق بمعاهدة كامب ديفيد، ومخالفا أيضا للتفاهمات الأمنية بين البلدين". وأوضح المحلل العسكري أن ما يجري في (إسرائيل) هو تخبط سياسي وعسكري، "لكن مصر سياستها حكيمة ولديها قدرة على ضبط النفس والالتزام بالقانون الدولي وعدم الانجرار إلى مواقف استفزازية. (الجزيرة نت)
خلاصة القول، إن النظام مرتبط بقرارات أمريكا بخصوص ما يفعله يهود وليس له قرار منفرد، أما ما يدعيه من قدرة الجيش على تأمين حدود مصر فأكثر من ذلك؛ إن الجيش يستطيع تحرير فلسطين وهو أهون عليه من رد الطرف، ولكن سياسة ضبط النفس والالتزام بالقانون الدولي هي الحجة التي يسوقها للناس بينما لا أحد يلتزم به عند الاعتداء على بلادنا ومقدساتنا وسفك دمائنا، فالنظام لم ولن يتحرك تجاه الكيان الغاصب وهو الذي يشاركه جرمه في حصار أهلنا في غزة، ولهذا سيبقى متحفظا وضابطا للنفس حتى لو احتل اليهود كل سيناء وليس هذا المحور فقط!
إن هذا المحور لا يجوز أن يترك لكيان يهود ولا أن يغلق في وجه أهلنا في غزة هاشم بل يجب أن يكون منطلقا لنصرتهم وتحرير كامل فلسطين وإخراج يهود منها إلى غير رجعة، وهذا لن يكون ما لم تخلع القاهرة ثوب العمالة والتبعية وتنعتق من الرأسمالية وأدواتها ومنفذيها، ورحم الله من قال إن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير القاهرة، فإن أرض فلسطين أرض خراجية ملك للأمة وواجب تحريرها يقع على كل الأمة، وهو أوجب على جيش مصر الذي يكبله النظام ويجعل من مهامه حماية أمن كيان يهود، بينما يجب أن يكون أول عمل له اقتلاعه من الوجود، ولهذا فبدء تحرير فلسطين يبدأ بتحرير مصر من هذا النظام وأدواته والانعتاق من تبعية الغرب بكل صورها وتطبيق الإسلام كاملا في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، دولة تعيد سيرة الفاتحين العظام وتجيش الجيوش نصرة لأهلنا في الأرض المباركة وتنتصر للمستضعفين وتغيث كل ملهوف لا في فلسطين وحدها بل في الأرض كلها.
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع