ما إن قام المجاهدون الأبطال من أهل غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بغزو الكيان حتى تداعت دول الكفر بقضها وقضيضها للدفاع عنه، وبالذات أمريكا التي تبنت الكيان وقامت على رعايته بعد أن ورثت الملفات الاستعمارية من بريطانيا قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، فبعيد معركة طوفان الأقصى بيوم واحد جاءت أمريكا بحاملة طائرات مجهزة بكل أنواع الأسلحة من صواريخ وطائرات ودبابات، ثم أتبعتها بحاملة طائرات أخرى لا تقل ضخامة وتجهيزات عن أختها، ثم رأينا بريطانيا ترسل سفينتين حربيتين، بل وحتى ألمانيا أرادت أن توجد لها موطئ قدم فأرسلت طائرتين حربيتين بدون طيار تحت إمرة يهود إن أراد الكيان استخدامهما! وأمام هذا التحرك العسكري الأمريكي الغربي في مياه المسلمين في شرق المتوسط والبحر الأحمر فإننا نقول التالي:
أولا: لقد فوجئ الغرب وأمريكا من هشاشة كيان يهود الذي رعوه لأزيد من قرن، منذ أن بدأ يهود هجرتهم إلى أرض فلسطين ثم بعد ذلك بعد أن سلموه فلسطين، فيهود يَلْقَوْنَ كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي من أمريكا ودول الغرب، وهم في كل حرب يضعون لهم السيناريو والإخراج، أما في هذه المرة فإن السيناريو قد وضعه المجاهدون المخلصون من أهل غزة، ولم تكن أمريكا وراءه ولا بريطانيا بل ولا حتى القيادات السياسية للمجاهدين الأبطال، بمعنى أن الحرب على الكيان واقتحام حصونه وأسر جنوده وسحلهم لم يكن ليرضي أمريكا ودول الكفر خلفها، وفي مقابل ذلك رأت دول الكفر مدى هشاشة كيان يهود وكيف أن ثلة لا تملك من العدة والعتاد إلا إيمانها بربها أذاقت الكيان أضعاف أضعاف ما أذاقته جيوش دولٍ ستّ في حربهم معها، وهنا كان لا بد من انتشال الكيان من ورطته والدفاع عنه وإلا كان لقمة سائغة للمسلمين في محيط يتحرق شوقا لقتالهم والنيل منهم، وهم (أي الغرب) يدركون أن ما يحول بين الأمة وبين تحرير مقدساتها إنما هي الأنظمة العميلة في بلاد الخنق، التي أطلقوا عليها بلاد الطوق، فماذا لو زال أحد هذه الأنظمة أو بعضها؟!
ثانيا: تدرك رأس الكفر أمريكا ومن بعدها دول الغرب أنهم لا قِبَل لهم بالمسلمين وأنهم لا يصمدون أمامهم في أي نزال، وثلاثة عشر قرنا من الحروب شاهدة على ذلك، فإنهم لم يقاتلوا الأمة يوما إلا هزموا، وإن حصل أنهم انتصروا في حرب أو حربين فإنما كان ذلك فلتة، وإلا فإن أمريكا نفسها قد دفعت الجزية لوالٍ من ولاة الخلافة العثمانية، وأمام هذا الواقع الذي تعلمه دول الكفر فإنهم لا يريدون العودة مرة أخرى تحت رحمة المسلمين وقوتهم، لذلك فإنهم صنعوا أول ما صنعوا بعد هدم الخلافة كيان يهود؛ ليكون بمثابة خنجر مسموم في جسد الأمة، وللحيلولة دون وحدتها من جديد، وقد وفروا له في سبيل هذا الهدف كل ما من شأنه أن يبقيه كيانا قويا اقتصاديا وعسكريا، لكن ما حصل لهذا الكيان أظهر حجم ضعفه، وأن المهمة التي رعته دول الكفر لأجلها لم تعد مُسَلَّمَة أو قاعدة ومن الممكن لو ترك الكيان وحده أن تبتلعه المنطقة، لذلك جاءت أمريكا لترعى مصالحها بنفسها وجلبت معها دول الكفر علها تدخل الرعب في قلوب الأمة الإسلامية، ولكن الأمة الآن بعد معركة طوفان الأقصى أدركت مدى قوتها وبأنها تمتلك ما لا يمتلكه الغرب وهو هذه العقيدة التي أبانت المعدن الحقيقي عند الأمة، والتي تجعلها، لو امتلكت إرادتها، تحرك الجبال من أماكنها، وغزة مثال مصغر للأمة الإسلامية.
ثالثا: لقد قطعت الأمة نصف الطريق بل ثلاثة أرباعه عندما أسقطت حكاما كانوا يظنون أنهم آلهة من دون الله، بل كانوا لا يرون في الأمة إلا قطعانا من الماشية، فثارت الأمة في مصر والشام والعراق وليبيا واليمن وتونس، ولولا مكر الغرب وأساليبه الخبيثة لكان الحال على غير هذا الحال؛ ففي ثورة الشام طالبت الأمة بالإسلام نظام حكم وأنظمة حياة، بمعنى أنها بدأت تتلمس طريق عزها وسبيل نهضتها على أساس الإسلام، فما كان من الغرب إلا أن تكالب عليها ووظف عملاءه في تركيا وإيران ودول الخليج ليحول بين الأمة وما تفكر فيه من تحكيم الإسلام واستبدال النظام، حتى رأينا ما رأينا من قتل وتدمير وتشريد وانتهاك للأعراض، فالغرب يدرك أنه مهزوم فكريا ولا قبل له بمنازلة أمة تستقي أحكامها من كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، بمعنى أنه لم يصارع الأمة صراع الشرفاء بل قفز على ديمقراطيته وحرية الرأي التي يزعمها، لما رأى الأمة تريد إسقاط الأنظمة التي رعاها ودعمها وأشرف عليها، ولعل الجولة التي كسبها من الأمة في الربيع العربي فرصة ربما لا تتكرر له مرة أخرى، ويخشى الآن أن تفلت الأمة من يده، لذلك جاء بخيله ورجله، ببارجاته وأسلحته، ليحول بين الأمة وبين النهضة الحقيقية.
رابعا: إن طوفان الأقصى أصبح منذ اليوم الأول للمعركة طوفان أمة، فوحد الأمة في أفكارها ومشاعرها ولم يبق للأمة إلا أن تتوحد تحت راية واحدة هي راية الخلافة، فلم يبق من الطريق إلا أقله وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام شاهدة على سير الأمة الآن؛ لما أصبح الرأي على أفكار الإسلام وعقيدة الإسلام رأيا عاما منبثقا عن وعي عام سيّر الله لنصرة دعوته نفرا قليلا من الأنصار قارعوا الفرس والروم وهزموهم في بضع سنين وأصبحت الدولة في المدينة المنورة الدولة الأولى في العالم، والآن فإن الأمة الإسلامية قد تبنت الإسلام ولا ترضى عنه بديلا ولم يعد يفصل بينها وبين تطبيق الإسلام إلا أنصار جدد يختارهم الله لخدمة دينه وتحكيم شريعته، وما أكثر هؤلاء في جيوش المسلمين التي لا تقل حرقة وتغيّظا لما يحصل لأهلهم وإخوانهم في غزة، وإن الله سيعز دينه من جديد وسيجعل له أنصارا جددا وإن الأمة كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره.
خامسا: تدرك أمريكا أن الحكام الذين صنعتهم لم يعودوا قادرين أن يتخفوا تحت عمالتهم، وأن حدث غزة قد عرّاهم جميعا أمام الأمة بل من كان بالأمس القريب يتقن التمثيل ولا يريد أن يجلس إلى (قاتل الأطفال) من كيان يهود ولن يسمح (بحماة ثانية) في أرض الشام، إذا به يستقبل ليس قاتلا واحدا من الكيان بل يفتح بلده كلها للقتلة، بل ويساهم في حماة ثانية وثالثة وعاشرة، ومؤتمر القمة الذي انعقد في الرياض في 11/11/2023 شاهد على حالة الانفصام والانفصال التامة بين الأمة وبين حكامها، ففي الوقت الذي بدأت الأمة تفكر كيف تصلي في الأقصى وتعيد فلسطين كلها يجتمع موظفو الغرب من أكثر من خمسين بلدا ليعلنوا بيانا باهتا من 7 صفحات ربما جاءهم باللغة الإنجليزية وترجموه، خلاصته يجب إيقاف الحرب على غزة وإدخال الوقود، وليس هناك حل إلا بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران أو ما تم تسليمه بعد الـ67 وإحياء المبادرة العربية التي لا تعترف لأهل فلسطين إلا بما بعد الرابع من حزيران أما ما قبل ذلك فإنهم مجمعون أنها لكيان يهود لا ينازعهم فيها أحد، فلا حيفا ولا يافا ولا بيسان وإنما فلسطين هي غزة وما تبقى من الضفة، وهذا الخطاب وهذا البيان الختامي لا يمثل عند الأمة شيئا ولا قيمة له، وإن الكيان الذي يحتمي بهذه الأنظمة منذ 75 عاما لن يطول الزمن حتى تكنس الأمة الشيء وظله وحينها ستكون أساطيل أمريكا وأوروبا والطائرات والصواريخ التي يقتل بها المسلمون غنيمة للأمة الإسلامية ولخليفة المسلمين. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
رأيك في الموضوع