إن (الحرب على الإرهاب) هي حربٌ على الإسلام والمسلمين، والشمس لا تغطى بغربال، فالمسلمون ليسوا بحاجة لمعرفة هل حرب الكفار على المسلمين حرب دينية أم لا؟ وقد بين الله تعالى ذلك في آيات محكمة واضحة لا تقبل صرفاً ولا تأويلاً، وقد كتب الله حالة العداء هذه منذ أن خلق آدم عليه السلام. قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
وكون الحرب التي يخوضها يهود وقبلهم الغرب الصليبي الكافر ومعه أمريكا الآن، حرباً صليبية دينية قيمية أكبر وأوضح من أن تخطئها عين أو تجانبها حواس؛ فهذه الشام وقبلها أفغانستان والعراق لم تكن إلا حرباً دينية بامتياز جعلت بوش الابن يخاطب العالم من فوق حاملة طائرات ليعلن أنه انتصر في حرب صليبية، وتبعه على ذلك مستشاروه وأقطاب إدارته رامسفيلد وديك تشيني وغيرهم.
ولا يمنع أن تغلف حربهم على الإسلام بأغلفة كثيرة مثل كون الحرب صراعاً سياسياً بين استعمار قديم وآخر جديد، أو أن الاستعمار كان لأخذ خيرات ذلك البلد، ولكن الأمر الاستراتيجي في نهاية المطاف أن العالم يجب أن يعيش تحت القيم الغربية والأيديولوجية الدينية القِيمية الصليبية، وكل كلام غير هذا تدليس.
لما حدثت ثورات الربيع العربي في مصر وتونس والشام قام الغرب بالإسراع في خطف نتائج الثورة في مصر وتونس لما رأى أن الناس لم ترفع شعاراً فكرياً أو دينيا، بمعنى أن ثورتهم لم تكن على أساس مبدئي، لكن في الشام جندت أمريكا كل عملائها وأوباشها وحلفائها لمحاربة أهل الشام لما رفع الناس شعار الإسلام وبدأوا يطالبون بالإسلام والخلافة بديلا للنظام، فقتلت وهدمت وشرّدت، وكل ذلك لأن الناس رفعت شعار الإسلام ورايه الرسول ﷺ.
إنّ صدق كلام ربنا في كتابه أمر لا مرية فيه ولا جدال، وكلام الحكام والوزراء لا يغير من طبيعة هذا العداء الذي يكنّه الغرب الكافر ضد الأمة وعقيدتها ودينها، بل إن عداءه قد وصل حتى تبني ما يسمى الصهيونية المسيحية في أمريكا وغيرها والتي أساس عقيدتها أن قيام كيان يهود في فلسطين هو مقدمة لعودة المسيح الذي سيقتُل المسلمين ولا يبقي منهم أحدا، فأصحاب العقيدة المسيحية الصهيونية الذين يحكمون أمريكا وأوروبا يعتبرون أن قيام كيان يهود في فلسطين بشرى ومقدمة لعودة المسيح، فكون حربهم على الأمة حرباً دينية أصبح شيئاً محسوساً ليس بحاجة إلى إثبات.
بعد أن خرجت أمريكا من عزلتها وبعد أن خرجت منتصرة بعيد الحرب العالمية الثانية رأت أن تصوغ العالم وفق رؤية معينة، فقامت بلملمة كل الملفات التي كانت بريطانيا تمسك بها، ومن هذه الملفات ملف قضية فلسطين، وكان من تصورها لحل قضية فلسطين تدويل القدس، بمعنى أن تجعل المسجد الأقصى والقدس تحت رعاية دولية؛ حتى تنزع عنه صبغة القدسية عند المسلمين، بل وتلغي حالة الربط بينه وبين المسجد الحرام، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وقد حاولت أمريكا إلغاء هذا الربط فقامت باحتضان كيان يهود ثم بعد ذلك إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتخرج القضية عن سكّتها الحقيقية وهي كون قضية فلسطين قضية إسلامية وليست قضية عربية أو فصائلية، وما لم ينظر للقضية الفلسطينية والقدس بهذا المنظار فإن الخسارة ستكون للمسلمين لا محالة. فأرض فلسطين هي ملك للأمة الإسلامية جميعاً ولا يصح التنازل عن أي شبر منها.
إن الحملات الصليبية التي قادها الغرب الكافر كانت معظمها مسلطة على بيت المقدس وعلى المسجد الأقصى؛ لما له من رمزية دينية عظيمة عند المسلمين، فقد كانت حملاتهم بدافع تخليصه من أيدي المسلمين، ويقال إن عدد حملاتهم على بيت المقدس ناهزت العشر، فالصراع عندهم مع الأمة الإسلامية هو صراع ديني عقدي، وهم لا يخفونه أصلاً بل إنهم يفتخرون، ولا ينكرون أن حملاتهم على بيت المقدس وفلسطين كانت تحت راية الصليب الذي كانوا يضعونه فوق جبينهم وعلى ثيابهم وينظمون الأشعار ويتغنون القصائد التي تكشف مقصدهم وسبب حربهم، وحتى الخيول التي ركبوها للقتال زينوا سروجها بالصليب.
أما في العصر الحديث فإن فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ"، وهينتنجتون في "صراع الحضارات"، قد بينوا هذه العقيدة التي يعتقدها الغرب، وإن كان هينتنجتون أكثر صراحة من تلميذه؛ ففي الوقت الذي ظن فوكوياما أن الرأسمالية الليبرالية بقيمها ومفاهيمها هي ما سيكون عليه الغرب بأفكاره العفنة وأن التاريخ سيتوقف عنده وأنه قدر لا يستطيع أحد رده، وَغَرَّهُ سقوط الاتحاد السوفيتي الشيوعي، كان أستاذه هينتنجتون أكثر واقعية وأعمق فهماً لطبيعة الصراعات الأيديولوجية والدينية والقيمية عند البشر، وهذا الصراع إذا كنا نتحدث عن أي دين فما بالك بالإسلام الذي منشؤه الوحي ويحمله ربع سكان الأرض، وهنا فإن هينتنجتون تحدث عن صراع لا بد منه بين "العالم المسيحي بقِيَمِه العلمانية من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى"، بل إن خلاصة كتابه "إن الصراع قادم بين الغرب بقِيَمِه وأفكاره ومفاهيمه وبين الدول ذات الأغلبية المسلمة".
إن طبيعة الصراع بين الغرب والأمة الإسلامية أنه صراع ديني قِيمي، وإن كان يُغلّف أحياناً بغلاف اقتصادي أو سياسي أو مصلحي، وما التضييق على المساجد والمؤسسات الدينية ومراكز تحفيظ القرآن في دول الغرب والشرق إلا صورة من هذا العداء. فما الذي يجعل دولة مثل السويد أو الدنمارك تسمح بحرق المصحف في الساحات وتقوم بحماية من قام بذلك، وقبل ذلك تستهزئ بالرسول ﷺ برسومات منحطة في الوقت الذي تمنع بل وتعتقل كل من يشكك بوجود المحرقة اليهودية؟! وماذا يدل إصرار فرنسا على منع الحجاب في المدارس والجامعات؟! وهل منع رفع الأذان في أوروبا له تفسير إلا أنه حرب دينية؟!
إن قول وزير الخارجية الأردني وبعده أمير قطر بأن الصراع بين دول الكفر وبين أهل غزة والمسلمين ليس صراعاً دينياً هو كلام لغو ولا قيمة له، وما دعاهم لهذا التصريح إنما هو خوفهم أن يأخذ الصراع شكلاً دينياً وأيديولوجياً تصبح فيه قِيم الإسلام والعقيدة الإسلامية في مقابلة الأفكار والعقائد النتنة التي يدافع عنها الغرب ويطبقها، وهم يعلمون أن العقيدتين ليستا سواء، فلا تصمد أديانهم وقيمهم وعقائدهم أمام قيم الإسلام وأفكاره، لذلك تراهم يحاولون أن يبعدوا مصطلح الحرب الدينية، بل ولا يريدون إظهار طبيعة هذه الحرب حتى من أحزاب اليمين المتطرف عند اليهود لأنهم يعلمون أنهم هم الخاسرون، فلا قبل لهم بقتال المسلمين إن هم أعادوا للإسلام عزه ومجده، وطبقوا النظام الذي ارتضاه الله لهم، وأقاموا الخلافة على منهاج النبوة، وحينها فقط يقال للغرب الصليبي إما الإسلام وإما الجزية وإما القتال وإن غداً لناظره قريب.
رأيك في الموضوع