ما يحدث لغزة وأهلها ليس وليد اليوم ولم يبدأ منذ سنوات بل بدأ منذ عشرات السنين؛ فغزة وفلسطين والقدس لم يتمكن منهم يهود إلا بعد زوال دولة الإسلام الحامية للمسلمين وأرضهم ومقدساتهم وحافظة أعراضهم، وبعد وضع الحدود وتنصيب حكام ليسوا من جنس الأمة بل منفصلون عنها؛ يأتمرون بأوامر الغرب، وهم أكبر داعم لكيان يهود في حربه على غزة وأهلها، حتى صاروا يفرضون على الشعوب ألا تنتفض نصرة لأهل فلسطين ولا تغضب لانتهاك حرمات الأمة ومقدساتها على اعتبار أنها دولة جارة وشعب شقيق وليسوا إخوة الدين والعقيدة وجزءاً من أمة الإسلام الواحدة التي يقول الله فيها ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾!
عمل الغرب في بلادنا لقرون خلت على دراسة الأمة ودرس مواطن قوتها وكيفية إضعافها وعلم أن سر قوة الأمة في دينها وعقيدتها وما ينبثق عنها من أحكام وفي كونها أمة واحدة ودولة واحدة لها حاكم واحد هو خليفة المسلمين، وأن الأمة تتمسك بهذه الدولة وتلتف حولها مهما ضعفت، وكانت ثمرة عمل الغرب في الأمة لما يزيد عن قرنين من الزمان هدم دولة الخلافة واغتصاب سلطان الأمة وحكمها بقوانين الغرب وتقسيم بلاد الإسلام لما يزيد عن خمسين كياناً وهي قابلة للزيادة حسب رؤية الغرب صاحب السيادة والسلطان الآن! وعمل الغرب على تقسيمهم إلى كيانات هزيلة بعضها قد لا يغطي عورة نملة! كما عمل على إثارة النعرات والعصبيات بين أبناء الأمة ليرسخ لهذا التقسيم، محاولا إيجاد روابط أخرى غير رابطة الإسلام التي تربط بين كل المسلمين، فظل ينبش في تاريخ البلاد ليستخرج لأهلها ما يربطهم بأجداد غير المسلمين وحضارة ووجهة نظر غير حضارة الإسلام ووجهة نظره، فاستدعى التركية والفرعونية والآشورية والبابلية وغيرها مما لا وجود له ولا يصلح للربط حتى بين أبناء البلد الواحد، ولعل هذا جزء مما كان يرنو إليه، فمن يرغب في تقسيم أمة إلى دول ودويلات لن يضيره أن تفتت تلك الدول والدويلات إلى عشائر وقبائل متناحرة، فكل ما يعنيه أن تظل الأمة نائمة وألا تستيقظ من سباتها ولا تستعيد سلطانها ومجدها وما هو لها.
لقد أوهم الغرب الشعوب أنها ذات سيادة داخل حدود سايكس بيكو بعد أن سلب سلطان الأمة وبعد ما مارس عليها من عمليات التجهيل التي أفقدت الشعوب هويتها وطريقة تفكيرها الصحيحة على أساس الإسلام وعقيدته، وبما أثاره فيها من نعرات جاهلية وعصبيات وطنية وقومية، حتى ترسخت الحدود في الأذهان بينما هي حدود وهمية لا واقع لها على الحقيقة! وشعوب بلادنا جميعهم قد اختلطت أنسابهم ودماؤهم وجمعتهم عقيدة الإسلام لقرون طويلة رسخت في أعماقهم مفاهيم أخوة الإسلام والعقيدة التي لن يستطيع الغرب محوها مهما فعل ومهما أنفق ومهما صدهم عن سبيل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
إن أمة الإسلام أمة واحدة من دون الناس؛ ربها واحد ودينها واحد ونبيها واحد وكتابها واحد وكانت لها دولة واحدة يحكمها حاكم واحد خليفة للمسلمين في دولة الخلافة، ميراث رسول الله ﷺ، هكذا كانت وسادت وهكذا يجب أن تكون؛ أمة واحدة بكل أطيافها وأجناسها، الرابط الوحيد بينها هو عقيدة الإسلام ولا شيء غيرها، فانصهرت في هذه العقيدة كل أطيافها وأجناسها، فصار الجميع متساوين متكافئين؛ لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، تتكافأ دماؤهم ويجير على ذمتهم أدناهم، وهي يد على من سواها، وبهذا سادت الدنيا لما يزيد على ثلاثة عشر قرنا من الزمان.
تلك الشعوب التي تشترك في الدين وعقيدته واللغة والبيئة والفطرة وحتى الأعراف، ألف الله بين قلوبها فصاروا بنعمة الله إخوانا، فلا قدسية لتلك الحدود التي تفصل بين الأخ وأخيه في الدين بل ربما تفصل بين أبناء عشيرة واحدة ممن سكنوا بلاد المسلمين وحلوا وارتحلوا بينما لم تكن هناك حدود تعوقهم ولا حواجز تمنعهم ولا تأشيرات تلزمهم، فكل بلاد الإسلام دولة واحدة وكل من فيها إخوة لا فرق بينهم، نعم هكذا كان المسلمون في ظل دولة الإسلام، بينما تجعلهم الرأسمالية ودولها وتقسيماتها أشقاء وجيراناً، تساوي بينهم وبين القتلة مغتصبي الأرض والديار، وتوجب عليهم الحياد بينما يقتل إخوانهم وتنتهك حرماتهم وتنتقص أعراضهم! وبينما مقدسات الإسلام تدنس، وكأن الانتفاض لها ونصرة المسلمين المستضعفين فيها وتحرير أرض الإسلام ليس واجبا عليهم، بينما هو أوجب الواجبات! يستوي في ذلك المستضعفون في غزة والمستضعفون في إدلب وبلاد الشام وهؤلاء المنسيون في ميانمار والأويغور الذين تنكل الصين بهم على مرأى ومسمع من حكام بلادنا بل وبمباركتهم!
إننا لسنا شعوبا شقيقة ولا جوار بيننا بل نحن أمة واحدة؛ دمنا واحد وجرحنا واحد وألمنا واحد وحرماتنا ومقدساتنا واحدة ومصارعنا واحدة، هذه هي طبيعة هذه الأمة، وهو ما ظهر جليا هذه الأيام مع الهجمة الشرسة لجرثومة الغرب، كيان يهود، على أهلنا في غزة وتفاعل الأمة بعمومها معهم، ففلسطين ليست مجرد قضية تحتاج إلى حل ولا أرضا محتلة تحتاج للتحرير، إنها تسكن وجدان الأمة وتشكل مركز تنبهها حتى صار من يتاجر على الأمة يتاجر بها ويسب مغتصبيها وداعميهم!
أيها المخلصون في جيوش المسلمين عامة وفي جيش الكنانة خاصة، فأنتم أول من يجب عليه الانتفاض لنصرة الأمة ونصرة أهل فلسطين المستضعفين: إن دماء المسلمين كلها واحدة متكافئة؛ لا فرق بين مصري وفلسطيني، وتلك الحدود التي رسمها الغرب ويقدسها الحكام لا شرعية لها ولا يجوز أن تحول بينكم وبين نصرة أهلكم في غزة، فهم ليسوا شعوبا شقيقة ولا دول جوار بل هم إخوانكم؛ دمهم دمكم وهدمهم هدمكم. وإن صمت حكامكم لا يجوز أن يمنعكم من الثأر لجرحى الأمة وقتلاها، فارفعوا عنكم عار الحكام وأزيلوهم ورجسهم وحدودهم وأقيموها للإسلام دولة تثأر للضعفاء والمظلومين والمقهورين وتجيش الجيوش لنصرتهم؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، عسى الله أن يتقبل منكم وأن يفتح على أيديكم فيعود بكم عز هذا الدين من جديد، وستذكرون ما نقول لكم ونفوض أمرنا إلى الله والله بصير بالعباد. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع