هناك ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام. (اليونيسيف)
في كوكب يتشكل أكثر من 70% منه من الماء، يعاني سكانه من الجفاف! على الرغم من التطور التكنولوجي والتقني الباهر، الذي يمكن أن يساهم بشكل كبير في سدّ الاحتياجات. إن معاناة البشرية من العطش والتهديد الأمني في غذائها، تؤكد أن النظام العالمي قد فشل في توفير أدنى متطلبات الحياة (الماء لسد العطش وري المزروعات)، فهل بقي عذر لقاعد على التهاون في ضرورة العمل الجادّ لاستبدال النظام الرباني المتمثل بالإسلام العظيم بهذا النظام الوضعي؟! أم أن على البشرية أن تفنى جوعاً وعطشاً لتتحرك المشاعر؟!
على الرغم من وفرة المياه والمصادر الطبيعية، والتطور التكنولوجي، فشل النظام العلماني في تلبية حاجة أساسية مثل الماء للناس! ليضيف إلى ملف فشله في رعاية الشؤون فشلاً آخر، فصدق قول الشاعر، في معناه الحقيقي لا المجازي هذه المرة: "كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول"!
للوقوف على حجم الكارثة المائية القادمة، نستعرض تقريراً جديداً نشره معهد الموارد العالمية (WRI) مؤخرا، ذُكِر فيه أن نحو 15 دولة واقعة بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني بالفعل من الإجهاد المائي، وبحلول عام 2050م ستكون هذه البلدان هي الأكثر تضرراً من أزمة مياه عالمية من المتوقع أن تطول نصف سكان الكوكب. الأمر نفسه أشار إليه تقرير أعدَّته الأمم المتحدة في مؤتمر تنمية المياه لعام 2023 ونُشر في آذار/مارس الفائت، بأن هناك ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام، ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع على مدار العقود القادمة، لتشمل المعاناة 60% من سكان العالم.
يُعَدُّ وضع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الأسوأ من حيث الإجهاد المائي، إذ تستقبل المنطقة كمية أقل من الأمطار مقارنة بالمناطق الأخرى، كما أن بلدانها سريعة النمو السكاني، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه باستمرار، وقد ذكر التقرير أن أكثر من 25 دولة تعاني من الإجهاد المائي حالياً، بينها: (البحرين، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والإمارات، والسعودية، ومصر، وليبيا، واليمن، وإيران، والأردن، وتونس، والعراق، والهند، وسوريا)، ففي سوريا الآن مثلا، ملايين الأهالي لا يستطيعون الوصول إلى إمدادات المياه، فالكثير من مرافق البنية التحتية التي كانت تزوّدهم بالمياه النظيفة والصرف الصحي أصبحت غير صالحة للعمل؛ ما تسبب في انخفاض إمدادات المياه بنسبة 40% مما كانت عليه قبل الثورة، وفي الأحياء الهندية الفقيرة أصبح مشهد الأهالي الواقفين في طوابير أمام الصهاريج والصنابير العامة في الشوارع في انتظار ملء أوانيهم بالمياه مشهداً شائعاً؛ وبحسب تقرير الأمم المتحدة، هناك واحد من بين أربعة أفراد في العالم ليس لديهم إمكانية الوصول إلى ماء شرب نظيف.
يؤدي انعدام الأمن المائي إلى أنواع أخرى من انعدام الأمن، فمثلا: يمكن أن تتسبب ندرة المياه في انقطاع الكهرباء، إذ عادة ما تستهلك المحطات التقليدية لتوليد الكهرباء عن طريق الفحم أو النفط أو الطاقة النووية، كمياتٍ كبيرة جدا من المياه لأغراض التبريد، وذلك بحسب ما جاء في ورقة بحثية نُشرت عام 2019م لمركز أبحاث تابع للاتحاد الأوروبي، إذ كشف الباحثون أن توليد الكهرباء لكل مقيم في أوروبا يتطلب نحو 1,300 لتر من المياه في اليوم، وبحِسبة بسيطة يمكنك معرفة كمية المياه اللازمة لإنارة منازل شعب بأكمله طوال العام.
إذا أردنا معرفة التأثير الخطير لندرة المياه على الكهرباء، فلا يوجد نموذج أوضح من نموذج شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلادش)، إذ تتسبب ندرة المياه في مشاكل كبيرة لقطاع الطاقة هناك، وذلك لأن 90% من محطات الطاقة الحرارية في الهند مثلا والتي تزودها بمعظم الكهرباء تعتمد على المياه العذبة للتبريد، وما إن يحل فصل الصيف على تلك الدولة التي يقطنها نحو 18% من سكان العالم، حتى تغدو المياه سلعة ثمينة كالذهب، وفي عام 2018م نشرت بي بي سي تقريراً يشير إلى أن الهند تواجه أكبر أزمة مياه في تاريخها، حيث يعاني أكثر من 600 مليون شخص من شح المياه وفقا لمصدر حكومي، ويتوقع تقرير معهد الموارد العالمية (WRI) الأخير أن تستمر معاناة الهند مع ندرة المياه لتصل ذروتها عام 2050م بما يؤثر على الناتج المحلي للبلاد بمقدار يزيد على النصف. هذا التأثير يطال إلى جانب الهند كلاً من تركيا، ومصر، والمكسيك، إذ وفقاً للبيانات سيتعرض إجمالي الناتج المحلي العالمي لإجهاد مائي مرتفع بنسبة 31%، وهو ما يعادل خسارة 70 تريليون دولار أمريكي بحلول العام 2050م، وقد حذرت الأمم المتحدة في تقرير نُشر عام 2020م من أن مليارات الأشخاص مهددون بالجوع الناجم عن ندرة المياه.
وتستهلك الزراعة وحدها ما يصل إلى 70% من إمدادات المياه في العالم، وبالتأكيد فإن الأزمة المائية ستؤثر بشكل كبير ومباشر على الزراعة، ما سيفاقم من الأزمة الغذائية القائمة عالمياً ويهدد الأمن الغذائي، وقد حذّرت الأمم المتحدة في تقرير نُشر عام 2020م من أن مليارات الأشخاص يواجهون الآن خطر الجوع الناجم عن ندرة المياه، الأمر الذي من أجله دعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الحكوماتِ إلى معالجة أزمة ندرة المياه المتزايدة سريعاً، إن أرادت تجنب أزمة الغذاء.
هذه التحديات التي تواجهنا ستتفاقم مع التغيرات المناخية القادمة وما ينتج عنها من جفاف وفيضانات وعدم إمكانية التنبؤ بهطول الأمطار، فلكل درجة مئوية زائدة في متوسط درجة الحرارة العالمية، يتوقع خبراء الأمم المتحدة انخفاضا في موارد المياه المتجددة بنسبة 20%، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يسرّع من تبخر المياه من التربة، ومن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري العالمي إلى زيادة عدد المناطق المجهدة مائياً.
بحلول عام 2050م، من المتوقع أن يصل عدد سكان الكوكب إلى 10 مليارات شخص، وهم بحاجة إلى تأمين غذائهم، ومن أجل ذلك يحتاج العالم إلى إنتاج منتجات غذائية أكثر بنسبة 56% من عام 2010م، ناهيك عن أن 60% من الزراعة العالمية تعاني بالفعل من الإجهاد المائي الشديد، خاصة المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه الري مثل قصب السكر والقمح والأرز والذرة، فكيف بالوضع مع التغيرات المناخية القادمة؟! إن لم يتم التوصل إلى حلول سريعة، فإن ندرة المياه في المناطق القاحلة ستؤدي بحسب بعض التقارير إلى نزوح مئات الملايين من الناس بحلول عام 2030م.
إننا على دراية تامة بأن الأنظمة السياسية القائمة في العالم هي التي يجب عليها الإتيان بحلول للنكبات والمصائب التي تتعرض لها الشعوب، لكننا أيضاً على يقين بأن سبب هذه الكوارث البشرية هو هذه الأنظمة والعقيدة العلمانية التي انبثقت عنها، ولا شأن لظاهرة الاحتباس الحراري والظواهر الطبيعية الأخرى في هذه النكبات، حيث يمكن التعامل معها بكل سهولة لو كان هناك تعاون وتكامل في جهود البشرية لمواجهة أيّة ظاهرة طبيعية. إن السبب الوحيد لفشل هذه الأنظمة هو عجزها عن الإتيان بحلول حقيقية، إضافة إلى الفساد المبدئي والسياسي الذي ينخر فيها. والذي تحتاجه البشرية هو نظام رباني يقوم على تقديم حاجات الناس الأساسية على إشباع نهم وجشع الشركات الرأسمالية، التي تستغل وتستثمر في كل جائحة تصيب البشرية، فالبشرية تحتاج إلى عقول سياسية كعقل عمر الفاروق رضي الله عنه الذي لخّص مدى اهتمامه ومقدار مسؤوليته عن رعاية شؤون الناس بقوله: "لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر؟"، لذلك كان العمل الجاد لاستبدال هذه الأنظمة فريضة شرعية على خير أمة أُخرجت للناس، وضرورة معيشية لكل شعوب الأرض التي لم تعد تقل بؤساً عن شعوب البلاد الإسلامية، فإلى العمل الجاد لإقامة حكم الله في الأرض حتى يسقى الضرع والزرع.
رأيك في الموضوع