﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾
بعد إعلان نتنياهو الحرب على غزة، أطل علينا أردوغان بخطابات نارية ضد كيان يهود، دون تبنّي أي شكل من أشكال المساعدة العسكرية لأهل فلسطين، وفي 12 من تشرين الأول/أكتوبر 2023م قام أردوغان - استجابة للضغوطات العامة - بوصف قصف كيان يهود لغزة بأنها "مذبحة"، لكن رغم اعترافه هذا لم يُقدِم حقيقةً على أي تدخل حقيقي لإيقاف هذه المذبحة، بل بدلاً من ذلك، جلس يرقب سفك الدماء في قصره لمدة أسبوعين تقريباً قبل أن تجرأ على تكثيف خطابه ووصف هجمات يهود "بالإبادة الجماعية"، وحتى بعد خطابه اللاذع ذاك، لم يقم أردوغان بتبنّي أيّة إجراءات انتقامية ضد كيان يهود، الأمر الذي شجع نتنياهو على نشر الدمار على نطاق أوسع في غزة، مطمئناً بإفلاته من العقاب.
أخيراً، في 28 من تشرين الأول/أكتوبر 2023م، وبسبب الضغط الشعبي الشديد، أعلن أردوغان عزم أنقرة على "إعلان (إسرائيل) مجرمة حرب"، وعلى الفور ردّ كيان يهود باستدعاء ممثليه الدبلوماسيين في تركيا، وأعلن إعادة النظر في علاقاته مع تركيا. وبالمقابل لم يقم أردوغان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كيان يهود أو حتى استدعاء سفيره من تل أبيب كردٍّ على ذلك، بل على العكس، واصل أردوغان تعزيز كيان يهود من خلال توفير النفط (الذي تشتد حاجة يهود إليه الآن في حربهم) من أذربيجان عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان، والحفاظ على التجارة الثنائية بين البلدين بقيمة 7.5 مليار دولار (التي تشمل المنتجات الزراعية والكيميائية والآلات)، هذا بينما تعاني غزة من حصار يهودي مكثف، حيث قُطعت إمدادات المياه والكهرباء، ولا غذاء كافٍ ولا دواء، ولا يُسمح لأحد هناك بالمغادرة. ومرة أخرى داس أردوغان على مطالب أهل تركيا بإرسال جيشهم لإنهاء حصار يهود لغزة وتحرير فلسطين كاملة.
ليس سراً أن القوة العسكرية لجيش يهود الاحتياطي لا تضاهي قوة الجيش التركي الماهر، فجيش يهود عبارة عن حرس سجون مجهزين بعتاد مبالغ فيه، ولم يخوضوا سوى "حروب" زائفة مع العرب، بينما الجيش التركي قوة مرعبة، لدرجة أنه بمثابة المرساة الرئيسية لأمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وثاني أقوى جيش فيه، وتحت حكم أردوغان تركت القوات التركية المسلحة بصمة عسكرية واسعة النطاق تذكرنا بفترة الحكم السلجوقي والعثماني، شملت العمليات الناجحة في أذربيجان – ناغورنو كاراباخ، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وقبرص، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وليبيا، بالإضافة إلى قيام الجيش التركي على مدى عقود بعمليات مكافحة "الإرهاب" ضد حزب العمال الكردستاني، وتنظيم الدولة مؤخراً، أي أن الجيش التركي مؤهل تماماً ليس فقط لتحرير غزة من طغيان يهود، بل ولتحرير فلسطين كاملة في وقت قصير.
مع ذلك، فمن الواضح أن أردوغان لا يحشد جيش تركيا ولا ينشر قواتها المسلحة إلا لتعزيز السيادة الأمريكية في المنطقة، أو لمساعدة أمريكا في إخضاع المسلمين الذي هبّوا لتحرير أنفسهم من الحكم الاستعماري، كما في أفغانستان وليبيا، لذلك فإن أردوغان لن يرسل القوات المسلحة لتحرير غزة من يهود رغم رغبة أهل تركيا في استعادة أمجاد أجدادهم العثمانيين؛ لأن ذلك سينهي سيطرة أمريكا على البلاد العربية والإسلامية. أما تصريحات أردوغان ضد الغرب، مثل الإشارة إلى "المعايير المزدوجة" للغرب في النظر إلى قضية أوكرانيا وفلسطين، وتحميل الغرب مسؤولية المجازر في غزة، فهي تصريحات مخادعة، يطلقها لتهدئة الانتقادات الداخلية على تقاعسه. في الواقع، المرة الوحيدة التي رفض فيها أردوغان التواصل مع كيان يهود كانت عندما رفض نتنياهو "الهدنة الإنسانية" التي اقترحها بلينكن وزير الخارجية الأمريكي. في محاولاته اليائسة لإرضاء الولايات المتحدة، أصبح ما يهمّ أردوغان الآن هو أن يكون هناك دور أمني لتركيا في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، غير آبه بدماء المسلمين الطاهرة التي تُراق على يد كيان يهود، ولو كان يكترث لقام بإنهاء التدخل الغربي والأمريكي في بلاد المسلمين وتحرير فلسطين نهائياً، استجابة لقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ﴾، وقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
إن قطع العلاقات مع القوى الغربية المحاربة التي تدعم كيان يهود، وبشكل مباشر لا لبس فيه، يتطلب من أردوغان تنفيذ ما يلي:
- قطع العلاقات الدبلوماسية مع كيان يهود وكافة الدول الغربية التي تدعمه صراحة، وإغلاق سفاراتها وطرد موظفيها الدبلوماسيين والعسكريين من تركيا، وبالإضافة إلى ذلك إنهاء جميع أشكال التعاون مع كيان يهود من التجارة والمساعدات العسكرية وإمدادات النفط والمعادن.
- الوقف الفوري لتوريد الأسلحة والذخائر والطائرات بدون طيار (مثل البيكار وغيرها من الطائرات المتطورة) إلى أوكرانيا، وتوقيف خطط بناء مصنع للطائرات بدون طيار في أوكرانيا، وكذلك وقف الجهود السياسية لحل الصراع الأوكراني وسحب جميع أشكال المساعدة فيها، حيث يجب استخدام كل هذه الأسلحة والذخائر والخطط والجهود في سبيل تحرير فلسطين فوراً.
- الانسحاب الفوري من الناتو، ونقض جميع الاتفاقيات والمعاهدات مع أمريكا والدول الغربية الأخرى، وطرد جميع أفراد الناتو من تركيا، وإغلاق قواعد إنجرليك وإزمير وقونية وغيرها من القواعد الجوية أمام الناتو بشكل دائم، والاستفادة من المعدات التي يتم الاستيلاء عليها تباعاً من هذه القواعد (مثل الطائرات المقاتلة والأسلحة النووية... وما إلى ذلك) في الدفاع عن تركيا والبلاد الإسلامية، وكذلك إغلاق محطة (رادار كوريسيك) لإحباط نظام التصدي للصواريخ عالية الارتفاع (ثاد)، وبالتالي تقليل فعالية الردع النووي لحلف شمال الأطلسي.
- استعادة السيادة التركية على مضيق البوسفور، والبحر الأسود، ومضيق الدردنيل، وبحر إيجه، وشرق البحر الأبيض المتوسط، ومنع إرساء السفن الحربية التابعة لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة فيها، بما فيها قوات مشاة البحرية الأمريكية المنتشرة قبالة سواحل فلسطين المحتلة.
- سيُحدث انسحاب تركيا من حلف الناتو فراغاً أمنياً كبيراً على الجبهة الجنوبية الغربية لحلف شمال الأطلسي، والتي ستُشغل أوروبا والولايات المتحدة بروسيا. يجب على تركيا استغلال تلك التوترات لنشر قوات عسكرية في منطقة بلاد الشام في استعداد لتحرير الأرض المباركة فلسطين.
- يجب على تركيا إعادة استخدام الذهب والفضة كأساس للعملة النقدية؛ لتعزيز الاقتصاد وحمايته من الأزمات، وسيؤدي هذا إلى إنهاء أسعار الفائدة الربوية، وزيادة القوة الشرائية لليرة التركية، وخفض التضخم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي زيادة قدرة البلاد على تحمل تكاليف السلع والخدمات.
- تنفيذ هذه الخطوات العظيمة هو رهن قرار أردوغان، ولا يتعسر تحقيقها. في الماضي عارض أردوغان كلّاً من الولايات المتحدة وأوروبا عندما كان بقاؤه في السلطة على المحك، لكنه هذه المرة يحاول استرضاء قاعدته الشعبية، وضمان الأصوات الانتخابية المحلية، من خلال التحضير لاحتجاجات كاذبة لوقف إطلاق النار، حيث القواعد الجوية الأمريكية موجودة في تركيا.
إذا عزم أردوغان بصدق وإخلاص الانعتاقَ من الهيمنة الغربية وتحرير فلسطين، فإن العالم الإسلامي بأسره سيقف معه، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، أما إذا أصرّ أردوغان على دعمه غير المحدود للغرب وكيان يهود، وعلى الدوران في فلك أمريكا، فإن هذا يعني أن الإمكانات الكاملة لتركيا المسلمة لا يمكن إطلاق عنانها، لذلك فإنه يتعين على المسلمين في تركيا دعوة الجيش لإسقاط أردوغان وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ومن ثم المضي قُدماً لتحرير فلسطين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ إسلام مجاهد – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع