الحق أن الموجب لهذا المقال والداعي له هو تعليق أحد الدعاة من الكويت على النتيجة التي حصل عليها أردوغان في مقابل خصمه كليجدار والتي تقاربت فيها النتائج بتفوق بسيط لأردوغان. وهذا الداعية علق بقوله إن هذا الانقسام الحاصل بين أنصار أردوغان وبين أنصار كليجدار العلماني الصريح في علمانيته دليل على أن نصف الناس أو قريبا من نصفهم لا يريدون الإسلام (على اعتبار أن أردوغان يمثل الإسلام!). وكذلك حكم هذا الداعية على مصر لما انقسمت بين شفيق ومرسي ورجحت كفة مرسي بشيء بسيط. فهل صحيح أن التصويت لأردوغان أو مرسي هو تصويت للإسلام؟ هل عدم التصويت لأردوغان أو الغنوشي مثلا هو عدم قبول للإسلام؟!
وإزاء هذا الخلط الواضح الذي لا يخلو من بعض الجهل أقول:
أولاً: إن من لم يكتف بعقدين من الحكم ليحوِّل المجتمع كله إلى حب الإسلام وحب العاملين له أو يعتبر أن الوقت الذي حكم فيه غير كاف لجعل الناس تحبهم، فلا بارك الله فيه ولا في وقته. فليس صحيحاً أن الناس تحتاج إلى عقود وعقود حتى تتحول بأفكارها ومفاهيمها، فلم يحتج النبي عليه الصلاة والسلام إلا لسنوات معدودات حتى جعل الناس تغير دينها وعقيدتها التي ألفتها لمئات السنين، وذلك بجعل أحكام الإسلام هي المطبقة فقط على الناس، فلم يحكم بأحكام الجاهلية، كما يفعل من يلبسون لباس الإسلام من الأفراد والجماعات اليوم، ثم لما يلفظهم الناس أو يميلون لغيرهم يجعلون ذلك تصويتا على الإسلام!
ثانياً: إن الحكمَ على الناس الذين لم ينتخبوا أردوغان بأنهم لا يريدون حكم الإسلام وإنما يريدون العلمانية، هو حكم غير صحيح، فأي إسلام هذا الذي يمثله أردوغان الذي قارب حزبه على الربع قرن في الحكم والدستور الذي وضعه مصطفى كمال ما زال هو المطبق؟! ولماذا يصر أتباع أردوغان أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً أمام عقود وعقود من العلمانية؟! ونجيبهم بأن النبي ﷺ لما دخل المدينة المنورة، مع أن المسلمين لم يكونوا يمثلون أكثر من خمسها، طبق الإسلام من أول يوم ولم نرَ أن الناس ثاروا عليه بحجة أنهم ألفوا الكفر أو أنهم لا يريدون تطبيق الإسلام!
ثالثاً: إن ربع قرن في الحكم لو أراد أردوغان الحكم فيها بالإسلام لما منعه شيء، فالناس في تركيا تحب الإسلام وتريد ان تُحكَم بالإسلام، ولا أدل على ذلك أنه في استطلاع ورصد لآراء الناس قبل سنوات قامت به مراكز دراسات حول الخلافة كانت نتيجته في تركيا من أكثر البلاد التي أجاب فيها الناس أنهم يفضلون العيش في ظل دولة الخلافة، فكيف يقال إذن إن الناس التي لم تصوت لأردوغان وحزبه العلماني لا يريدون تطبيق الإسلام؟!
رابعاً: إن حزب العدالة والتنمية لم يدّع أنه حزب إسلامي، وإنما توهم ذلك مؤيدوه ومناصروه، بل إنه يصرح في ليله ونهاره أنه حزب علماني وأنه لم يسع يوما لتطبيق الإسلام في تركيا، وهو لا يعقد مؤتمراته واجتماعاته إلا وتعلوها صورة الزنديق المجرم مصطفى كمال هادم الخلافة، ولئن سمح بالحجاب في المدارس والجامعات فليس لكونه إسلامياً وإنما لكونه يطبق النموذج الغربي في الحريات، فما يسمح به حزب العدالة والتنمية تسمح به أمريكا وإسبانيا وكيان يهود، فأين المزية في ذلك؟!
خامساً: لا عذر لأردوغان وحزبه في عدم تطبيق الإسلام، فربع قرن من الحكم كافية لجعل الناس تقبل تطبيق الإسلام عليها، مع أن أنصاره وأتباعه يدعون بأن مانع الرجل من تطبيق الإسلام هم العلمانيون الذين يملكون قوة في تركيا لا يستهان بها، هكذا يدعون ويزعمون! ونجيبهم بأن أردوغان قد اعتقل وسجن وحاكم كل من يقف ضده من قضاة وضباط وبالذات بعد انقلاب عام 2016، وبالتالي أصبح هو الحاكم بأمره وليس له ند أو منافس حقيقي في الحكم، فلو أراد أن يطبق الإسلام كله لفعل، بل وسيكون سنده طبيعياً وهو سند الناس المسلمين من أهل تركيا. ولا ننسى أن الناس في تركيا لا يكاد يفارقهم أنهم حكموا في مساحة تتجاوز الأربعين مليون كيلومتر مربع من الأرض وأنهم كانوا لأزيد من خمسة قرون سادة الدنيا، وما زال الناس هناك يسمون أولادهم بأرطغرل والفاتح وسليمان وسليم... فماذا إذن ينقص تركيا وأردوغان ويبعدهم عن تطبيق الإسلام؟ هل هو الخوف من الداخل وقد بينا بطلانه، أم الخوف من الخارج؟ وهذا أردوغان عندما أراد أن يحول الكنيسة إلى مسجد لم يلق بالاً لا لأوروبا ولا لغيرها. وعندما تجوب شركات التنقيب التركية شرق المتوسط لتبحث عن حقول الغاز فإن أردوغان يفعل ذلك دون أن يهتم برد الفعل الدولي، فلماذا إذن عند الحديث عن تطبيق الإسلام يدعي أنصاره بأنه لا يستطيع؟! والمفارقة الغريبة العجيبة أن أردوغان لم يزعم يوما أنه يريد أن يطبق الإسلام، وأن الموقف الدولي هو المانع، أو أنه يريد أن يتخلص من معارضيه (الكفرة) الذين لا يريدون الإسلام. وغاية الأمر أن الرجل لا يريد تطبيق الإسلام وليس لا يستطيع، وأن قدوته ليس أرطغرل ولا الفاتح وإنما مصطفى كمال، فلا داعي أن يكون أتباعه ملكيين أكثر من الملك! فالرجل علماني وحزبه علماني، هذا واقعهم رضي أتباعه وأنصاره أم غضبوا.
وأخيراً: إن شرف تطبيق الإسلام لا يسوقه الله لأي أحد، فلا يسوقه لمن يصلي في الناس ويؤمهم في صلاة العشاء ثم بعد ذلك يستقبل رئيس كيان يهود الذي يغتصب الأرض ويقتل الشباب والأطفال والشيوخ، ولا لمن يفتتح آيا صوفيا مسجداً ثم يموت أهل الشام على حدود بلده بحجة أنهم لا يملكون تصريحا لدخول أراضيه، ولا لمن يشارك الناس إفطاراً جماعياً في رمضان ثم تذهب طائراته لقتل المسلمين في الشام والعراق وقبلها أفغانستان.
وفي الختام، فهذه رسالة إلى أنصار أردوغان: فإن تركيا إن عادت تحت حكم الكماليين الذين يعادون الإسلام وأهله جهاراً نهاراً، وكانت نتيجة الانتخابات لصالحهم في الجولة الثانية (جولة الإعادة) فإن المسؤول عن ذلك هو أردوغان وأعضاء حزبه الذين سيسألهم الله ماذا فعلتم في ربع قرن من الحكم؟ وأي حكم من الإسلام طبقتم؟
إن تركيا كانت أمانة برقبة أردوغان وحزبه، وإن الناس إذا جاؤوا بمنافسيهم في جولة الإعادة فليس لأنهم لا يريدون الإسلام، وإنما لخيانة الأمانة وسوء استخدامها، ووالله سيتمنى أردوغان وجماعته غدا بين يدي العزيز الجبار لو أنهم لم يتحملوها يوماً.
بقلم: الأستاذ خالد الأشقر (أبو المعتز بالله)
رأيك في الموضوع