أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يوم الخميس ١١/٨/٢٠٢٢م، موجةَ غضب عارمة وحالة غليان شعبي واسعة، واكبها خروج مظاهرات حاشدة في عموم المناطق المحررة، جُوبه بعضها بالرصاص الحي، تندد بتآمر النظام التركي الذي بلغ مداه ضد ثورة الشام، فخرج على ألسنة ساسته بعض ما تخفي صدورهم، فلم يُبقِ عذراً لمعتذر ولا ذريعةً يختبئ خلفها المطبّلون والمرقعون لنظام المكر والتآمر، حيث صرح أوغلو قائلاً: "علينا تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم"، مؤكداً وجود تواصل استخباراتي مع نظام أسد، وكاشفاً عن إجرائه محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالعاصمة الصربية بلغراد. ويأتي ذلك وسط أنباء عن إمكانية إجراء مكالمة هاتفية بين أسد وأردوغان باقتراح من بوتين، وعن إجراء دول خليجية وأخرى أفريقية اتصالات لترتيب لقاء بين أردوغان والأسد، ضمن جهود محمومة قذرة لتعويمه وإخراجه من عزلته.
وفي محاولة لتحويل الأنظار عن جريمة أوغلو ودعوته للتصالح مع نظام الإجرام بعد تضحيات أكثر من مليون شهيد، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو القبض على شخصين متهمين بحرق العلم التركي في مدينة إعزاز شمالي حلب، بعد أن حرق النظام التركي المتآمر قلوبَ أهل الشام الذين هُجّروا من ديارهم وسفكت دماؤهم ومُزّق أطفالهم أشلاء، وذلك بتآمره وتنسيقه مع أمريكا وروسيا وإيران، بل وحتى مع نظام أسد المجرم نفسه على مستوى أجهزة الاستخبارات.
وعقب الحراك الجماهيري الغاضب وانتفاضته ضد مجرد التفكير بالتصالح مع النظام وما يسوق له "ضفادع" على مستوى رؤساء ووزراء، وفي تصريح رآه البعض تهديداً مبطناً للثائرين، صرحت الخارجية التركية أنه "لا يوجد تقدم في وقف إطلاق النار ومساري جنيف وأستانة بسبب معاندة النظام السوري".
فيما حاول كثير من قادة المنظومة الفصائلية المرتبطين بالنظام التركي والمنفذين لمؤامراته عملياً على الأرض ركوبَ الموجة والاستخفاف بوعي الأمة وذاكرتها.
أما الائتلاف الوطني السوري صنيعة أمريكا، فكان دوره التبرير والترقيع كعادته، مصرحاً أنه تواصل مع الجهات التركية الرسمية التي بدورها "أكدت دعمها لتطلعات الشعب السوري المشروعة وتنفيذ القرار 2254"!
وإزاء هذا، لا بد من التأكيد على الحقائق التالية:
أولاً: إن موقف نظام تركيا أردوغان هذا بدعوته للتصالح مع نظام سفاح الشام لم يكن مفاجئاً ولا مستغرباً، فهذا هو دوره المنوط به، لم يتغير منذ انطلاقة الثورة، وهو تنفيذ حرفي لأوامر أمريكا في دعم نظام الإجرام وتثبيته واحتواء مفاصل التأثير في الثورة لإضعافها واحتوائها والعمل المنظم لوأدها عبر بوابة الحل السياسي الأمريكي الذي يعني التصالح مع نظام الإجرام وتسليم الرقاب لمقاصل الإعدام، إلا أن الجديد في الأمر هو أن ما كان يحاك بخسّةٍ سراً خرج للعلن بكل صفاقة وفجور، وفق ما تتطلبه الرؤية الأمريكية للحل وتوقيته. وما تصريحات أوغلو إلا تأكيد للدور الوظيفي القذر الذي يلعبه نظامه الموجه أمريكياً لإجهاض ثورة قدمت تضحيات عظيمة توازي عظم الأهداف التي نادت بها والشعارات التي رفعتها، تضحياتٌ لا يكافئها إلا إسقاط هذا النظام البائد واستئصال جذوره وبناء صرح الإسلام العظيم على أنقاضه.
ثانياً: لا يستغرب ممن طبّع بكل صلف وفجور مع كيان يهود أن يطبّع مع نظامِ طاغيةٍ يتشارك معه في خدمة السيد نفسه. علماً أن كل الأنظمة الوظيفية في بلاد المسلمين لها دور واحد ويربطها مصير واحد.
ثالثاً: إن ما قام به النظام التركي هو من متطلبات دفْعِ الرؤية الأمريكية للحل خطوة للأمام، كمقدمة لتسويق وتعويم نظام أسد مهلهل الأركان والبنيان، إلا أن نبض أهل الشام وردّة فعلهم لم تكن متوقعة من أعدائهم الذين ظنوا أنهم بعد أن سلطوا أذنابهم وأدواتهم للتضييق على الناس ودفعهم للركوع والخضوع لما يملى عليهم من حلول استسلامية، ظنوا أن أنفاسهم قد انقطعت وأنهم باتوا يقبلون بأي حل كان وينشدون التغيير على أيدي أمريكا وأممها المتحدة وأدواتهما من أنظمة الضرار صنائع الاستعمار، فإذا بالثائرين يثبتون أنهم لم يعودوا ينشدون إلا الحل الجذري الذي يرضي ربنا سبحانه بعد أن كفروا بحلول من سِواه.
رابعاً: إن كثافة المظاهرات التي خرجت واتساع رقعتها وارتقاء مستوى وعيها ومطالبها تؤكد أن الثورة لا تزال متقدة في نفوس أبنائها رغم الألم، وتؤكد وزن الحاضنة الشعبية وقوة تأثيرها عندما ترفع صوتها وتقول كلمتها، وأن كل ثائر حر يموت ألف مرة ولا يفكر مجرد تفكير بالتصالح مع قاتل الأطفال وهاتك الأعراض ومشرد النساء والشيوخ، وتؤكد أيضاً أنها لا تزال عازمة على إسقاط هذا النظام المجرم.
خامساً: ضرورة سعي الأمة الجاد لاستعادة سلطانها المغتصب وقرارها المصادَر، مع التأكيد والتحذير من أن عدم الاستمرار في الأعمال التي تؤدي إلى استعادة قرار الثورة السياسي والعسكري؛ يعني أن المظاهرات لا تخرج عن كونها ردة فعل مؤقت، وسيبقى قرار الثورة بيد النظام التركي يسوقها به حيث يشاء خدمة لمصالحه ومصالح أسياده، وإن عدم استعادة القرار أو التأخر في استعادته هو مقدمة للتصالح المخزي والقاتل الذي يروج له أوغلو.
سادساً: لقد حانت لحظة مواجهة الحقيقة لاتخاذ المواقف الصادقة، وإن دعوة النظام التركي للتصالح مع نظام الإجرام فرصةٌ كبيرة للمخلصين من عناصر المنظومة الفصائلية بأن يثبتوا صدق موقفهم وحقيقة توجههم، بأن ينحازوا لدينهم وأمتهم وثوابت ثورتهم بعيداً عن قادة المنظومة الفصائلية المرتبطين الذين أوردوا ثورتنا المهالك، والذين كانوا يطبقون بشكل فعلي تصريح وزير الخارجية التركي المتعلق بالمصالحة مع طاغية الشام منذ سنوات، وصمت الجبهات يشهد بذلك ونقاط الرباط كذلك، ومعهما كل مجاهد مخلص يؤلمه الواقع دون قدرته لوحده على تغييره. نعم، لقد آن أوان تحركهم الهادف وسيرهم مع الصادقين لإسقاط نظام الإجرام وتتويج تضحيات الثورة بحكم الإسلام.
سابعاً: إن مشكلة الثورة تكمن في تأخر الناس بالالتفاف حول قيادة سياسية واعية تعرف هدفها بشكل دقيق؛ وتبصر طريقها الموصل للهدف، وتعرف عدوها ولا تنخدع بمن يدعي صداقتها، وما عدا ذلك تضييع للوقت وهدر للتضحيات.
وأخيراً، وبعد أن فضح الصبح فحمة الدجى، فتكشفت الحقائق وسقطت الأقنعة وتبين من هو في صف الثورة ممن هو في صف أعدائها، فقد آن لأهل الشام أن يقطعوا حبال المتآمرين ويصلوها بالله وحده، وأن يختاروا لأنفسهم قيادة سياسية واعية ومخلصة يسيرون خلفها لتجنبهم المزالق وتزيل من أمامهم العوائق وتذلل لهم العقبات التي تحول دون تتويج تضحياتهم بما يرضي الله ورسوله، قيادة تحمل مشروع الخلاص القائم على أساس عقيدة الإسلام، قيادة مبصرة ترنو إلى رفع رايات النصر فوق القصر في قلب العاصمة بعد رسم خارطة طريق مفصلة توصلنا إلى هناك، حيث القول الفصل والملحمة، ولمثل هذا الخير العظيم فليعمل كل مخلص يبتغي العزة بالإسلام، في ظل حكم الإسلام ودولته وجيشها، وما ذلك على الله بعزيز.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع