تستميت مليشيات الحوثي في محاصرة مدينة مأرب، آخر معاقل حكومة هادي في شمال اليمن، وبعد سيطرتها على الجوبة وجبل مراد طوقت المليشيات الحوثية مدينة مأرب من ثلاث جهات، ولا زالت المعارك مستمرة.
وحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة فإن إجمالي عدد النازحين من مأرب بعد اشتداد المعارك هناك بلغ مائة وسبعين ألف نازح، وفق تقرير أصدرته الوكالة الأممية يوم الخميس 28 تشرين الأول/أكتوبر 2021م، ورغم هذا الرقم المهول لعدد النازحين من مدينة واحدة والتي تعج أصلا بأكثر من مليوني نازح، فروا من الحرب في مناطقهم، إلا أن أمريكا لم تتدخل (لدواعٍ إنسانية!) كما تدخلت عندما حاصرت القوات الحكومية مدينة الحديدة، وألزمتها باتفاق ستوكهولم الذي يمنع دخول القوات الحكومية إلى الحديدة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من دخولها.
كما أوقفت أمريكا المعارك حول صنعاء، بعد أن اقترب الجيش الحكومي منها، لدواعٍ إنسانية لتعطي أمريكا للحوثيين الوقت الكافي لاستمرار المعارك هناك لأهمية السيطرة على المدينة الغنية بالنفط والتي تكتسب أهمية استراتيجية في الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات.
وتحاول حكومة عبد ربه هادي أن تركز في إعلامها على الجوانب الإنسانية التي أنتجتها معارك مأرب، إلا أن المنظمات الدولية التي تسيطر أمريكا على معظمها، لا تعطي لذلك بالاً، بل على العكس من ذلك فقد زار المنسق الأممي للجهود الإنسانية منطقة العبدية في مأرب بعد اجتياح الحوثيين لها، ما يعني إسناداً سياسياً للجماعة غير المعترف بها دولياً.
ورغم أن ما يسمى الجيش الوطني يدافع بقوة عن المدينة إلا أن اختراقات الحوثيين لقياداته مستمرة ويتم شراؤهم وتحويلهم لصالح الجماعة، علاوة على اختراق المليشيات الحوثية للقبائل المحيطة بمأرب، كل ذلك سهل تقدمها نحو المدينة، التي تعتبر آخر المعاقل الشمالية لدى حكومة عبد ربه هادي، ما يجعل فكرة تقسيم اليمن مكرسة على أرض الواقع، خصوصا بعد تحول العملة اليمنية إلى عملتين بسعر مختلف في سوق العملات؛ عملة تابعة للحوثيين وعملة تابعة للحكومة.
وتحاول حكومة عبد ربه هادي فتح جبهات أخرى في شبوة لتخفيف الضغط على معارك مأرب، إلا أن أخبار سقوط المناطق المحيطة بالمدينة تتوالى يومياً، ويؤكد ذلك ما صرح به المتحدث باسم القوات المشتركة في الساحل الغربي وضاح الدبيش: "إن سيطرة الحوثيين على مديريتي جبل مراد والجوبة يؤكد بأن سقوط المدينة آخر مديريات محافظة مأرب، أصبح قريبا".
هذا ما تحاول أمريكا فعله في اليمن، فهي تدعم مليشيا انقلابية على حكومة (شرعية) وفق معاييرها، ولكنها لا تأبه لذلك طالما أن هذه الجماعة ستحقق لها مصالحها ونفوذها وسيطرتها على الثروة في البلاد، وطالما أن القتلى في هذه الحرب هم يمنيون وليسوا أمريكان.
أما حكومة عبد ربه منصور هادي، فهي الأخرى تدافع عمّا تبقى من النفوذ البريطاني في عدن، غير آبهة بنزيف الدم اليومي لأهل اليمن في طول البلاد وعرضها، ولم يكن همها يوما مصالح اليمنيين أو الدفاع عنهم، بل أصبح حال الناس في المناطق الواقعة تحت سيطرتها كحال الميت الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في انتظار الخلاص من الحياة، فالقتال بين القوى العسكرية والمليشيات التابعة لها يكاد يكون يومياً، وصوت الانفجارات والسيارات المفخخة والاغتيالات يتصدر نشرات الأخبار، ومع انهيار العملة المحلية ارتفعت الأسعار بشكل مهول، وأمسى الشعب اليمني وأصبح مدمناً على طوابير الوقود والغاز المنزلي والرغيف المدعوم. بينما تتنافس دول ما يسمى التحالف العربي (السعودية والإمارات) على تسليح الجماعات والمليشيات المحلية لتقوم بالقتال فيما بينها نيابةً عن جنود أمريكا وبريطانيا في تنافسهم المحموم على النفوذ والثروة في اليمن.
إن الحل يكمن في وقف الحرب، وعدم الانصياع خلف عبد ربه هادي أو عبد الملك الحوثي لأنهما مجرد اسمين عربيين لمشاريع غربية تنافسية في البلاد، ولا الانصياع خلف مليشيات السعودية والإمارات العسكرية والسياسية لأنها أدوات أخرى للكافر المستعمر.
إن الإسلام قدم لنا حلاً واضحاً ومحددا وهو التحاكم إليه وإلى كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، في دولة خلافة على منهاج النبوة، تحقن دماء المسلمين وتحافظ على ثروتهم وتذود عن ديارهم وتطرد الكافر المستعمر ونفوذه ومليشياته من البلاد، وترفع راية لا إله إلا الله خفاقة تجمع بها باقي بلاد الإسلام وأقاليمه، لتعود للمسلمين وحدتهم وقوتهم، وليس ذلك على الله بعزيز، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
رأيك في الموضوع