كثيرة هي المؤشرات التي تصدر عن مؤسسات دولية متعددة تضع تصنيفات ومعايير سياسية وإنسانية واقتصادية لجميع مجتمعات ودول العالم، وتتعلق بمستويات معيشية مختلفة، وغالباً ما تكون لهذه المؤشرات دلالات مهمة وذات مغزى، وتعتبر مقاييس تصنف الدول ارتفاعاً وانخفاضاً بحسبها، فتُبيّن درجات الدول وفقاً لتلك المقاييس، ومن آخر هذه المؤشرات التي صدرت مؤشر الهشاشة، وهو مؤشر يتعلق بتماسك الدول أو تفككها، وقوتها أو ضعفها، واستقرارها أو عدم استقرارها.
وكعادة الدول العربية في مثل هذه المؤشرات فقد حققت مستويات عالية في الهشاشة والضعف والتردي، كما كانت تحقق من قبل مستويات عالية في عدم الشفافية والفساد، ولا يتأخر عنها إلا بعض الدول الأفريقية المتخلفة جداً.
ومن معاني الهشاشة التي تمتاز بها الدول وفقاً لهذا المؤشر: في السياسة وجود استقطابات شديدة يصاحبها احتجاجات وصراعات، وفي الاقتصاد وجود انهيارات اقتصادية وفقدان العملات لثباتها، وارتفاع الأسعار بشكلٍ جنوني، وانخفاض مستوى المعيشة، وزيادة الفقر وما شاكلها، وكذا في سائر مجالات الحياة الأخرى كانعدام تقديم الخدمات، وتردّي الأوضاع العامّة، وخلخلة العلاقات بين الطبقات المجتمعية وتنافرها.
ولا فرق بين الدول العربية من حيث ظهور علامات الهشاشة فيها، سواء تلك التي توصف بالدول الموالية للغرب المستعمر في العلن كالسعودية والإمارات والأردن، أو الدول التي تسمي نفسها ممانعة أو مقاومة كسوريا وتوالي الغرب في السر، فكلها في الهشاشة سواء، فمصر كسوريا، والسعودية كالعراق، والمغرب كالجزائر، فكلها سواء في تردي مستوياتها على كل الأصعدة.
ومن علامات الهشاشة الحديثة في هذه الدول زيارة وفد من كيان يهود للسودان واجتماعه بقائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان وبنائبه محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي وبرئيس الوزراء المخلوع عبد الله حمدوك، وقيام ذلك الوفد بمحاولة للإصلاح بين القادة السودانيين المتصارعين، وهكذا فلم يجد حكام السودان العملاء أفضل من كيان يهود للقيام بدور الوساطة بينهم!
ومن هذه العلامات وصف رئيس وزراء كيان يهود نفتالي بينيت الروس بأنّهم جيران كيانه المسخ في الشمال، وأنّه وجد لدى الرئيس الروسي بوتين آذاناً صاغية بشأن احتياجات كيانهم الأمنية، فهم يتحاورون وكأنّ النظام السوري غير موجود، وبدا كأنّ المنطقة فيها دولتان فقط هما روسيا وكيان يهود.
ومنها أيضاً قبول النظام السوري الخائن بمرور الغاز (المصري) المنهوب من السواحل الفلسطينية والذي تبيعه دولة يهود لمصر من خلال خط يمر عبر الأردن وسوريا ولبنان.
ومنها أيضاً تصريح خياني مشبوه لوزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان قال فيه لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن: "إنّ (إسرائيل) ساعدت على الاستقرار الإقليمي والسلام في المنطقة، ولكنّ الاستقرار الكامل يكون بقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس"، فالسعودية وعبر هذا التصريح الغريب تقر بفضل دولة يهود في وجود الاستقرار الإقليمي في المنطقة حسب زعمها، لكنّه ليس هو الاستقرار العالمي الكامل.
ومن علامات الهشاشة أيضاً دفاع أربع عشرة دولةً عربيةً عن الانتهاكات الصينية الفظيعة ضد مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية وهذه الدول هي: مصر والسعودية والعراق ولبنان وفلسطين والإمارات واليمن والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والصومال، ومن البلاد الإسلامية التي دافعت عن انتهاكات الصين ضد مسلمي الإيغور من غير الدول العربية إيران وباكستان وبنغلادش.
ففي الوقت الذي تقف فيه هذه الدول العربية إلى جانب الاعتداءات الصينية ضد المسلمين، تقف الدول الكبرى العدوة للإسلام إلى جانب الإيغور ضد الصين أو تدعي ذلك على الأقل كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتقف معها معظم الدول الغربية، فيا لها من مفارقة مخزية!
إنّ هذا المستوى الهابط للدول العربية في كل مناحي الحياة يؤكد على عمق الشروخ في بنيانها، ويدل على مدى هشاشتها.
على أنّ هذه الهشاشة ليست فقط هي من استحقاقات تداعيها وسقوطها، بل هي أيضاً من مبشرات قرب زوالها واندثارها قريبا بإذن الله وقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على أنقاضها.
رأيك في الموضوع