(الجزء الأول)
لقد تغير الوضع السياسي في أوزبيكستان إلى حد ما خلال السنوات الخمس الماضية. وقبل وصف هذه التغييرات دعونا نلقي نظرة سريعة على موقع أوزبيكستان في آسيا الوسطى:
تشير حقيقة أن هذا البلد يقع في وسط آسيا الوسطى إلى أهميته الجغرافية الخاصة. فتاريخيا كانت أراضيها طرق التجارة البرية مثل طريق الحرير العظيم الذي كان يربط بين آسيا وأوروبا. والآن تحاول الصين إنشاء هذا المشروع مرة أخرى. ومن الناحية الاقتصادية أيضا تتمتع أوزبيكستان بموارد وفرص هائلة، وخصوصا أنها تحتل مكانة رائدة في العالم في تنوع واحتياطيات الموارد الطبيعية، ولديها أيضا ما يكفي من الموارد البشرية، وأهلها محبون للعمل كثيرا ولديهم موهبة في العمل. وموارد الأرض والمياه فيها تخلق ظروفا مواتية جدا للزراعة وتربية الحيوانات. وإذا أضفنا إلى هذا القطاع الصناعي أيضا فإن هذا البلد لديه القدرة على أن يوفر ليس فقط لسوقه المحلي ولكن أيضاً للأسواق الخارجية عددا كبيرا من السلع والثروات المادية، وحسب المعلومات فإن أوزبيكستان هي الكبرى في المنطقة من حيث القوة العسكرية. فهذه العوامل وغيرها، بالإضافة إلى حقيقة أن حوالي 90% من سكانها هم مسلمون وموزعون في جميع أنحاء آسيا الوسطى تضمن أن تصبح أوزبيكستان أهم مركز استراتيجي في منطقة آسيا الوسطى. وعلى ذلك فهي بلد لديه قدرة على أن يؤثر على آسيا الوسطى بأكملها. لهذا السبب تحاول القوى الاستعمارية الدولية التي تريد السيطرة على آسيا الوسطى أن تضع أوزبيكستان تحت دائرة نفوذها من أجل استخدامها كقاعدة انطلاق لها.
هذه القوى الاستعمارية الدولية التي تسعى إلى وضع أوزبيكستان تحت دائرة نفوذها تشمل أمريكا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي. بالطبع لا تستطيع الصين والاتحاد الأوروبي اليوم التنافس بشكل كاف مع أمريكا وروسيا بشأن هذه القضية؛ لأن مجال نفوذهما في بلادنا ليس على مستوى ملموس مقارنة بأمريكا وروسيا. فبينما تحاول الصين بشكل أساسي ترسيخ نفسها اقتصادياً تحاول بعض دول الاتحاد الأوروبي التأثير على بعض المجالات بشكل أساسي اقتصادياً وثقافياً. لذلك فإن الصراع على أوزبيكستان هو الآن بشكل رئيسي بين أمريكا وروسيا. لذلك فإننا نولي اهتماما لسياسة هاتين الدولتين تجاه أوزبيكستان.
بالنسبة لروسيا فإن أوزبيكستان هي مسألة حياة أو موت. ويمكن وصف أهمية أوزبيكستان بالنسبة لروسيا بإيجاز على النحو التالي: بالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه فإنها احتلت بلدنا هذا قبل قرن وما زالت تعتبره من إقطاعاتها - تماماً مثل بيلاروسيا وأوكرانيا - وهي ترى تهديداً مباشراً لمصالحها في أوزبيكستان. وبهذا يتضح أن هذا البلد هو قضية مصيرية لروسيا. ولم ترد روسيا إخراج أوزبيكستان من قبضتها الحديدية حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعندما منحت أوزبيكستان استقلالاً مزيفاً كانت روسيا تأمل في أن يكون كريموف الذي تولى رئاسة الحكومة الأوزبيكية ولديه عقلية شيوعية سوف يخدمها خدمة صادقة. ولكن لم يكن هذا هو الحال دائماً؛ لأن كريموف اقترب أحياناً من الغرب وأحياناً من روسيا واتخذ وصف عاهرة سياسية عالميا! وشوكت ميرزياييف الذي جاء إلى السلطة بعد وفاة كريموف هو أيضاً كادر تلقى تعليم وتربية النظام الشيوعي. ربما لهذا السبب لم تقاوم روسيا مجيء ميرزياييف إلى السلطة على أمل الحصول على ولاء مطلق منه لم تجده في كريموف.
وفي الوقت الحاضر تتكثف جهود روسيا لفرض سيطرتها الكاملة على أوزبيكستان. ويمكن معرفة هذا من حثها أوزبيكستان للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي في أقرب وقت ممكن. مثال إضافي على ذلك هو إطلاق مشروع لإرسال معلمي اللغة الروسية تدريجياً من روسيا إلى أوزبيكستان، وزيارة كيسيليف، المعروف بأنه المروج الرئيسي للقنوات التلفزيونية الروسية، زيارته طشقند في أوائل شهر أيار/مايو من هذا العام لإجراء دروس المهارة لمقدمي التلفزيون في وسائل الإعلام، وكذلك الاحتفال بيوم 9 أيار/مايو في السنوات الأخيرة. وفي نهاية شهر نيسان/أبريل بعد إعلان انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان زار وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أوزبيكستان. ويرجع ذلك إلى أن روسيا تخشى احتمال انتشار القوات الأمريكية التي ستنسحب من أفغانستان في آسيا الوسطى وخاصة في أوزبيكستان.
إذا انتبهنا إلى آليات تأثير روسيا على أوزبيكستان فسنرى أنه يمكن تنفيذها من خلال الهياكل الثقافية والاقتصادية وهياكل القوة. وإذا تضمن الجانب الثقافي زيادة التركيز على تعليم اللغة الروسية في بلادنا وتعليم الكوادر الأوزبيكيين ولا سيما موظفي هياكل القوة في المؤسسات التعليمية الروسية وإجراء التدابير الثقافية فعلى الجانب الاقتصادي يمكن أن يكون المثال ملايين المهاجرين الأوزبيك العاملين في روسيا. فهم يرسلون حالياً أكثر من مليار دولار ويساهمون بشكل كبير في اقتصاد البلاد. أما هياكل القوة (قوات الأمن) فقد كان للعناصر الموالية لروسيا نفوذ ملموس في الأجهزة الأمنية في أوزبيكستان منذ البداية. هؤلاء الكوادر الموالون لروسيا هم بقايا الاتحاد السوفياتي البائد وكذلك الناشئون حديثاً. وقد درس الكثيرون منهم في المؤسسات التعليمية في الاتحاد الروسي. وبالإضافة إلى ذلك هناك العديد من السياسيين المؤثرين الموالين لروسيا في أوزبيكستان. باختصار، تعتمد روسيا في التأثير على أوزبيكستان بشكل أساسي على قوات الأمن وعملائها المخلصين لها في السلطة. لأنها الآن لا تستطيع دعم أوزبيكستان اقتصاديا واقتصادها الضعيف لا يسمح بذلك. فبالنظر إلى أن روسيا تعتمد بشكل أساسي على القوة في سياستها الخارجية فليس من الصعب أن نفهم أن سياستها تجاه أوزبيكستان تقوم أيضاً على هذا. (يتبع)
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل
رأيك في الموضوع