أعلنت المحكمة الدستورية العليا في مالي يوم 28/5/2021 تعيين نائب الرئيس المؤقت العقيد عاصمي غويتا رئيسا للجمهورية ورئيسا للمرحلة الانتقالية.
علما أن غويتا أطاح يوم 25/5/2021 بالرئيس المؤقت باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوين وحكومتهما لأنهما لم يتشاورا معه بشأن ترشيح حكومة جديدة واعتبره انتهاكا للميثاق الانتقالي، وقد استبعدا منها اثنين من العسكريين المتنفذين من الذين قاموا معه بانقلاب في شهر آب 2020.
وعندما فعل غويتا ذلك جن جنون فرنسا فقال رئيسها ماكرون يوم 25/5/2021: "إن القادة الأوروبيين (الذين اجتمع بهم في قمة أوروبية ببروكسل) نددوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه الأمر الذي يعد انقلابا داخل الانقلاب وهو أمر مرفوض" وقال: "نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف" بحق الانقلابيين. بينما هي، أي فرنسا، تعلن تأييدها للانقلابيين في الانقلاب الذي جرى في تشاد يوم 20/4/2021 ويأتي رئيسها ماكرون إلى هناك ليصبغ عليهم مشروعية دولية! مما يدل على أن ما حدث في مالي ليس من مصلحة فرنسا، بل إن بقاء الرئيسين المؤقتين وحكومتهما من مصلحتها.
ويظهر أن غويتا ومجلسه العسكري اكتشفوا أن الرئيسين الانتقاليين لهما ولاء لفرنسا فقام بعزلهما، وأنهما أرادا أن يستبعدا العساكر الذين قاموا بالانقلاب من تشكيلة الحكومة حتى يتمكنا من قلب العسكر من خلال عملية سياسية أو إضعاف سلطتهم في الحكم. وتصرُّف الرئيس الفرنسي ومعه الأوروبيون يثبت ذلك؛ إذ إن الوسط السياسي في مالي ما زال يميل لحساب فرنسا. وهؤلاء العساكر بقيادة غويتا هم من عملاء أمريكا حيث قاموا بانقلاب عسكري يوم 18/8/2020 وعينوا رئيسا للدولة ورئيس وزراء لمرحلة انتقالية لمدة 18 شهرا حتى إجراء انتخابات جديدة، وعينوا غويتا نائبا للرئيس ليبقوا متحكمين بالنظام في البلاد. وعندما قاموا بالانقلاب احتجت فرنسا، فقال رئيسها ماكرون يوم 20/8/2020م أثناء اجتماعه مع المستشارة الألمانية ميركل لبحث التطورات في مالي: "فرنسا وألمانيا تنددان بالانقلاب الذي شهدته مالي وتريدان عودة البلاد بأسرع وقت ممكن إلى الحكم المدني". وقال وزير خارجية فرنسا لودريان: "إن فرنسا تدين بأشد العبارات هذه الواقعة الخطيرة"، ويظهر أنها سكتت فيما بعد عندما عين العساكر الرئيسين المؤقتين للجمهورية وللحكومة لأنهما كما يظهر أنهما محسوبان عليها.
وتعمل أمريكا على إيجاد وسط سياسي جديد، فأيدت الانقلاب بما يعرف بائتلاف 5 يونيو مؤلف من أحزاب سياسية بجانب جمعيات ونقابات دعمت الانقلاب علنا. حيث تعلمت أمريكا الدرس من انقلاب عام 2012 عندما قام عملاؤها من العساكر الذين دربتهم بقيادة النقيب أمادوا "أحمدو" سانجو بانقلاب ولم يسند بدعم من مثل هؤلاء، فعندما جرت الانتخابات كسبها عملاء فرنسا برئاسة إبراهيم كيتا الذي قلبه غويتا العام الماضي. فمن أساليب أمريكا للنفاذ إلى البلاد التي تقع تحت نفوذ أقرانها الأعداء المستعمرين الأوروبيين وكذلك لتركيز نفوذها في البلاد التي تسيطر عليها، من أساليبها تنظيم دورات تدريبية للعساكر، فتتصل بهم لتشتري الذمم الرخيصة منهم. ولهذا تفعل مثل ذلك في مصر، فكان السيسي من الذين تدربوا في أمريكا لفترتين عام 1981 وعام 2006 ولهذا عُين رئيسا للمخابرات الحربية المصرية ومن ثم وزيرا للدفاع إلى أن قام بانقلاب 2013 بتخطيط أمريكي للحفاظ على نفوذ أمريكا في مصر بعد الثورة التي أطاحت بعميلها حسني مبارك عام 2011.
ولم تكن مواقف أمريكا منددة في هذه الأحوال الثلاثة؛ انقلاب عام 2012، وانقلاب 2020، وانقلاب 2021، ولم تطالب باتخاذ إجراءات وفرض عقوبات كالمواقف الفرنسية والأوروبية، مما يؤكد أنها من وراء ذلك، وإلا لقامت ونددت وفرضت عقوبات، بل تصريحاتها تدل على تأييدها لكل ما حصل ضمنيا مثل تصريحاتها على لسان الناطقة باسم وزارة خارجيتها فيكتوريا نولاند يوم 22/3/2012: "الوضع الحالي في مالي غير واضح ويتطور بسرعة... نؤمن بضرورة تسوية المظالم بالحوار وليس بالعنف"، وتصريح مبعوثها إلى منطقة الساحل جيه بيتر فام يوم 22/8/2020 عقب الانقلاب الثاني في مالي قوله "إن قرارا بشأن ما إذا كان سيتم رسميا وصف ما حدث مؤخرا بأنه انقلاب يتعين أن يصدر بعد مراجعة قانونية"، وكانت ردة فعل أمريكا على الحركة الأخيرة غير منددة واكتفت بالدعوة على لسان خارجيتها يوم 25/5/2021 إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس الانتقالي في مالي ورئيس الوزراء"، فأفرج غويتا عنهما وأرسلهما إلى بيتهما، ومقابل ذلك عين نفسه رئيسا للبلاد وأشار إلى أنه سيشكل حكومة من ائتلاف 5 يونيو. فيريد أن يضمن سير الأمور حسب الخطة الأمريكية من عرقلة عودة عملاء فرنسا وضمان وصول عملاء أمريكا الجدد في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها بعد تسعة أشهر وأن يحكم الجيش سيطرته على الدولة بحيث يبقى صمام الأمان للنفوذ الأمريكي، فكلما وصل عملاء فرنسا إلى الحكم يقوم الجيش بإبعادهم بصور شتى حتى تتم تصفيتهم والقضاء على الوسط السياسي الموالي لفرنسا.
إن مالي هو بلد إسلامي، وسكانه أكثريتهم الساحقة من المسلمين حيث تبلغ نسبتهم أكثر من 90%. وفي أواخر القرن التاسع عشر احتلته فرنسا وأعلنت ضمه لها عام 1904، ومنحته الاستقلال الشكلي عام 1960. وهو بلد غني بالثروات المعدنية من ذهب وفوسفات وكاولين وبوكسايت وحديد ويورانيوم وغيرها الكثير، وتستحوذ فرنسا حاليا على حصة الأسد في نهب ثرواته، ويُترك أهله المسلمون يعانون الفقر والعوز والمرض ويفرون منه إلى أوروبا للبحث عن فرص لكسب قوتهم، وموقعه في غرب أفريقيا يمنحه أهمية استراتيجية، إذ يشكل منطقة واحدة مع دول الساحل تمنح الذي يسيطر عليه قدرة على السيطرة على غرب أفريقيا ووسطها. والعملاء الرخيصون يؤمّنون للمستعمر ما يريد في سبيل حصولهم على كرسي معوجة قوائمه وهم أذلة، وقد اشتد مؤخراً الصراع الدولي على مالي بين المستعمرين الأوروبيين وخاصة فرنسا وتستعين بألمانيا والاتحاد الأوروبي، في مواجهة أمريكا، فهم كالوحوش يهاجمون الفريسة ومن ثم يتصارعون عليها من سينهش أكثر.
فمالي منفردا كغيره من البلاد الإسلامية يصبح ضعيفا عرضة للاستعمار حيث لا توجد قوة إسلامية تحميه من هجمات المستعمرين باسم القرارات الدولية للتدخل العسكري المباشر بذرائع واهية كما حصل عام 2013 أو يصطنعون انقلابات عسكرية ضد بعضهم بعضا، فيبقى البلد في دوامة الصراع يعاني الفقر والفوضى والتشتت. فوجب إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة لتخلصه وسائر بلاد المسلمين من المستعمرين وعملائهم وشرورهم. وصدق رسول الله ﷺ عندما قال: «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».
رأيك في الموضوع