إنّ الأصل في الإعلام، أن يكون منبرا للأمة وأداة فاعلة بيدها لا بيد أعدائها، يحمل همومها وتطلعاتها، ويكافح معها نحو أهدافها وغايتها، لا أن يكون حجر عثرة أو صخرة كأداء أمامها، فالإعلاميون وهم جزء من الأمة الأصل أن يكونوا معها ولها، يتبنون قضاياها ويناضلون من أجلها، ويصبرون على ما يصيبهم مع الأمة من ابتلاء وعداء أو محاربة وتضييق. فالإعلامي لا يصح أن يكون حياديا أو منحازا ضد مصالح الأمة، بل يجب أن يكون مع الأمة ومع مبدئها ومع همومها وإلا لما استحق أن يكون إعلاما للأمة، ولجاز أن نسميه إعلاما للأعداء ورصاصة في صدر الأمة، وهذا للأسف الشديد هو واقع الإعلام في بلاد المسلمين!
المشاهد المحسوس أنّ الإعلام في البلاد الإسلامية يلعب دورا مناقضا تماما لما يجب أن يكون عليه، وبات يصدق عليه بشكل جلي بأنه السلطة الرابعة التي تُضاف إلى السلطات الثلاث التي هي أعمدة وأركان الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية العميلة للاستعمار، فالأنظمة في الفكر الرأسمالي المعمول به في بلادنا تقوم على السلطة التشريعية التي تشرع القوانين والدساتير الظالمة، وتقضي بها السلطة القضائية وتنفذها السلطة التنفيذية، والإعلام هو الذي يروج للأنظمة والقوانين والدساتير ويشكل أداة فاعلة في حفظ النظام ومنعه من الانهيار، وبات يلعب دورا بارزا في الوقوف في وجه نهضة الأمة للحيلولة دون استعادتها لسلطانها.
والكل مدرك لسوء واقع المسلمين، ويرى حجم الفساد والهوان الذي يعيشونه، وما من أحد مخلص إلا ويتطلع ليوم تتخلص فيه الأمة مما هي فيه من استعمار وذل وتبعية، والتفكير بحل جذري لكل قضايا المسلمين الشائكة، كقضايا فلسطين والشام وليبيا ومصر والعراق وكشمير وبورما وتركستان الشرقية ...إلخ، بات غير ممكن إلا في ظل مشروع توحيدي للأمة، وحل جذري يكون بالخلاص من سبب الذل والهوان والاستعمار ألا وهو الحكام والأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، والأصل أن تنصبّ جهود الإعلاميين ووسائل الإعلام على توعية الأمة ومساعدتها في الخلاص من الأنظمة والحكام، فتساهم في تشكيل الرأي العام والوعي العام على الحل الجذري، لتسهل عملية التغيير المنشود وتعجل فيه.
ولكن الحال مع الإعلاميين ووسائل الإعلام هو على العكس تماما، وقد اتخذت معاداة وسائل الإعلام لنهضة الأمة والوقوف في وجهها أشكالاً عدة، كالتعمية وفرض طوق إعلامي على دعاة النهضة والعاملين لها، وتسليط الأضواء على قضايا سخيفة أو فرعية من أجل استنزاف الاهتمام وإنهاك العقول في التفكير بالمتاهات، واختلاق صراعات وحروب وهمية تخدم مصالح الاستعمار، والترويج لمفكرين أو شخصيات أو حكام من بوتقة الأنظمة العميلة، ومحاولة تزيين أعمال وبرامج ومخططات الأنظمة الجاثمة على صدور المسلمين، وغيرها الكثير من صور وقوف الإعلام مع الاستعمار والحكام في وجه الأمة ومشروع تحررها.
فنلمس حجم التعتيم الإعلامي الذي تفرضه كل وسائل الإعلام على الكم الهائل من النشاطات التي يقوم بها حملة الدعوة عبر البلاد الإسلامية، على الرغم من تنوع النشاطات وتعددها، وكلها أعمال لا تعتمد العنف أو الأعمال المادية المنفرة، ولا تنحصر بمكان دون آخر، ولا ببلد دون سواه، ولا بظرف سياسي دون غيره، ولا بنظام دون عداه، فهي متنوعة متعددة عابرة للقارات ومتناولة لأبرز وأهم القضايا، وهي كذلك ليست أعمالا ضعيفة لا تستحق التغطية، بل عادة ما تكون ضخمة في المكان الذي تعقد فيه، ومع ذلك لا تحظى تلك الأعمال والنشاطات باهتمام أو تغطية وسائل الإعلام، رغم أنها في صميم هموم الأمة وتطلعاتها للتحرر!
وكذلك من يراقب وسائل الإعلام المحلية أو الدولية أو العالمية يلحظ حجم التشتيت والتسطيح الذي تمارسه وسائل الإعلام من أجل اللعب بالعقول والحالة الذهنية والشعورية للمشاهدين أو المتابعين، فيأخذ بالمشاهدين والمتابعين والقراء إلى دوائر الاهتمام بسخائف الأمور، ويسلط الضوء على المفسدات والموبقات، ويتجاهل القضايا المهمة وذات الصلة بمساعي النهضة، فيشغل الأذهان ويستنزف الاهتمامات في قضايا لا تخدم سوى الاستعمار والحكام بإدامة عصر الاستعمار والتخلف.
والإعلام الذي يدعي أنه ينقل الحدث والرأي والرأي الآخر وأنه مرآة الواقع، هو في الحقيقة يمثل في كثير من الحالات صانع الحدث والقصة والواقع ويوهم المشاهد أو القارئ بأن ذلك هو الواقع، كما في مسألة الصراع الطائفي الذي يهدف من خلاله إلى إشغال المسلمين في بعضهم البعض لتضليلهم عن العدو الحقيقي، وإذكاء العداوة بينهم لاستنزاف قدراتهم وأموالهم وجهودهم في صراعات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع.
وكذلك يعمل الإعلام بشكل ممنهج ودائم على صناعة شخصيات ومفكرين وإعلاميين من جنس النظام ومن أعمدة الاستعمار في بلاد المسلمين والترويج لهم، ليجعل منهم مرجعية يمررون من خلالهم الأفكار المسمومة والمشاريع الاستعمارية تحت عنوان مفكرين وعلماء ومشايخ، وكذلك تلميع بعض الحكام ممن يشكلون نموذجا يريد الغرب تسويقه كأردوغان ليكون بديلا لأي عملية تغيير منشودة قد تقوم بها الشعوب.
وكذلك يواصل الإعلام تزيين أعمال وبرامج ومخططات الأنظمة وتصويرها على أنها إنجازات ونجاحات بغية إطالة عمرها والمحافظة عليها من الانهيار، حتى وصل الأمر بالإعلام إلى أن يصور الحكام وهم يقومون بأقل القليل تجاه الناس وكأنهم أصحاب فضل ومنة عليهم!
والخلاصة هي أنّ وسائل الإعلام تابعة للأنظمة في برامجها وسياستها الإعلامية، وهي من أشد الوسائل الحديثة خطراً على الأمة، وباتت وسائل الإعلام أداة حادة وسلاحا فتاكا خبيثا في مساندة الأنظمة والنيل من الأمة للحيلولة دون نهضتها واستعادة سلطانها وتطبيق أحكام الله بإقامة الخلافة الراشدة، وهو ما يوجب على الأمة أن تتعامل مع الإعلام بحذر، وبوعي وتنبه كبيرين، بعد أن بات الإعلام مشبوهاً وأغراضه خبيثة كأغراض الحكام، ولذلك فإن الأصل ألا نتلقى الإعلام تلقي القبول والاستحسان بل الشك والريبة والتمحيص حتى نُفقد الأنظمة سلطتها الرابعة التي تحافظ عليها.
وكذلك يجب علينا أن نستغل الفسحة المتاحة أمامنا في الإعلام الإلكتروني الذي بات يشكل بديلا ومنافسا قويا للإعلام العادي، فنضاعف النشاط والجهود في فضح الأنظمة والحكام والاستعمار، والترويج لمشروع تحرر الأمة من الاستعمار وهو الخلافة، متجاوزين بذلك الإعلام الرسمي الشريك للأنظمة في ظلمنا والمتآمر ضدنا معها.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع