الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
لما كان مشروع الأمة وهو الخلافة مشروعا ثقيلا من حيث عِظم المسؤولية وثقل الأعباء ووعورة الطريق وكثرة الأعداء في الخارج من دول الكفر وأنظمته، وفي الداخل من العملاء والمنافقين والجهلة والواقعيين، كما أن هناك اختلافا في المناهج بين من يصفون أنفسهم بالمعتدلين من المفرّطين وبين المفرِطين من أهل الغلوّ، بين من يَرَوْن الواقع القائم حالة إسلامية يمكن إصلاحها بشيء من الترقيع ومن يَرَوْن أن الناس في المجتمع كفرة يجب قتلهم وقتالهم، يأتي حزب التحرير مبصرا لواقع الأمة من منظار مبدئها، يرى الناس مسلمين لكنهم يُحكمون بالكفر، ويرى المشكلة في غياب نظام الإسلام قسراً من حياة الأمة، وأن كل استهداف للإصلاح لن يكون فعالا منتجا ما لم تمتلك الأمة الوعي على دينها وواقعها وتملك إرادتها لتصوغ علاقات المجتمع بأحكام الإسلام المنبثقة عن عقيدة الأمة.
ويرى أي انشغال بالترقيع هو إطالة لعمر الفساد، وأي تحالف مع أدوات الاستعمار هو عمالة وضلالة، وأن الانشغال بمكاسب جزئية على حساب تحكيم الإسلام هو رضا بالواقع القائم.
لذلك انطلق الحزب يحمل هذا الفهم في الأمة وعمل على إثارة الوعي في الأمة لتتخذ الإسلام مبدأ لها تسعى معه في إيجاده في واقع الحياة، فتصدى له الحكام العملاء بالتعذيب والملاحقة والتضييق في الرزق والسجن والقتل أحيانا، فبقي الحزب ثابتا بفضل الله لم يغير ولم يبدل، صابرا محتسبا أجر شبابه على الله رب العالمين. مستلهما منهج رسول الله في التغيير بلزوم طريقته في بناء الثلة المؤمنة الواعية التي تنطلق لتتفاعل مع المجتمع لتضرب الأفكار والأنظمة التي تسوده بغرض إحلال الإسلام محلها، فتصدى الحزب للأفكار المفسدة كالوطنية والقومية والديمقراطية والاشتراكية والأفكار الخليطة وجابه القوى الظلامية التي تقتات على الفساد.
وكان في لزومه لطريقة الرسول ﷺ وقاية له من الاندثار والضياع، فلم يقبل الإدهان ولا التصالح مع الفساد، ولم يقبل المشاركة في أنظمة الكفر، فنجاه الله مما وقع فيه غيره من الذين استباحوا الخروج عن منهج رسول الله بالتأويلات فوقعوا في شر ما صنعوا. وصاروا جزءاً أصيلا من الواقع الفاسد يتسابق إعلامهم في ميدان التفريط ليرضى عنهم يهود والنصارى. بينما بقي الحزب على ثباته وصفائه لا يداجي ولا يداهن ولا يدخل في المعادلات المشبوهة، بل يثبت رغم قسوة الأوضاع وشدتها، يستمد ذلك من إيمانه أن النصر في وصول المبدأ إلى مركز القيادة في الأمة وليس وصول الحزب نفسه.
والأمة اليوم باتت أقرب ما تكون إلى منهج الحزب لأنها جربت الطرح التصالحي مع الفساد وجربت أهل الغلو وجرّبت كل الأفكار المطروحة التي نقضها الحزب وبقي الخيار الوحيد الذي يصلح به حال الأمة وهو إيجاد الإسلام نافذا في علاقات الناس، وبذلك تكون مهيأة أكثر من أي وقت مضى للانقياد للحزب بتصديق الوقائع لفشل طروحات التفريط والإفراط، لذلك صار الحزب محل نظرها وصار الطريق بينا جدَدا واضحا لا لبس فيه.
كما أن الأمة ابتليت بمن ينفذون مخططات الكفار وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا نتيجة للفشل في قراءة السياسة العالمية ومقصود الكفار من أعمالهم، حتى صارت كثير من الحركات تحمل أثقال عدوها إلى المواضع التي لا يبلغها إلا بشق الأنفس. وصارت تنفذ خططه وهي تحسب أنها تخدم الإسلام! وهذا غاية العمى الذي كان ناتجا عن عدم الإدراك لأهمية الوعي السياسي على الوضع الدولي والمحلي. لذلك كان حزب التحرير بمنهجه هذا ليس فيه قابلية للتلاقي مع العدو الكافر بحمل متاعه وتحقيق مآربه.
كما أن وصول كثير من الحركات إلى الحكم فعلا لم يحدث التغيير ولم يطمس معالم الكفر ولم تخلع الأمةُ معه أنظمة الكفر التي تبقى مفروضة؛ وذلك لأن التغيير كان في قشرة المجتمع الخارجية حيث تحتفظ الدولة العميقة بنفوذها وتتحكم في مفاصل الدولة ويبقى الذين يصلون بصندوق الاقتراع ينتظرون قارعة تحل بهم على يد الجيش الذي تستند إليه الدولة العميقة، لذلك تحولت جهود الأمة إلى هباء يومَ سارت خلف أولئك الذين أرادوا النفاذ إلى قلب المجتمع ليجدوا أنفسهم يسيرون على جدُرِه الخارجية، ثم يلفظون بعيدا عن واجهة الحياة وحركة المجتمع.
وعندما يتساءل الناس لماذا حزب التحرير؟ نقول لهم: لأنه لا يرضى غير إقامة الخلافة غاية له ولا يرضى أن يكون جزءاً من المعادلات التي تحتوي العملاء وتصوغها دول الكفر، ولأنه يريد للأمة أن تملك إرادتها فعلا ولا يقنع بالمشاركة في حكومات عميلة فاجرة، ولأنه لا ينسى منهاجه الرباني ولا يخوض مع الخائضين ولا يجلس على الفرُش النجسة ولا يتزلف للمنافقين، ولا يرضى بأنصاف الحلول وأرباعها، ولا يقبلُ بالدول الذليلة المستَرَقّة، ولا يبحث عن المكاسب والمناصب، بل يثبت على منهاجه في طلب الحق والبراءة من رجس الباطل والوقوف في وجه أعداء الأمة، لينفي عن الإسلام تفريط المفرّطين وميوعتهم وانحلالهم، وغلو الغالين وتنطعهم وشدتهم، ويظهر للأمة عدوها من صديقها، ويدعوها في كل فتنة إلى لزوم طريقها، ولأنه لا يقبل بالتخلي عن حكم الله ليستبدل به المناهج الأرضية، ولا يقبل بحكم لا ينبثق من نور الشريعة، ولا يبتلع الوهم بالعز وهو تحت ظلّة الذل، ولأن حزب التحرير لا يفرق الأمة فلا يرى أنه جماعة المسلمين ومن خرج منها ففي النار، بل هو جمع من الرجال انتظمهم فهمٌ خاص للإسلام يحتم عليهم خدمة الأمة بقيادتها إلى مسارب النجاة في ظل التزام حاد بأحكام الشريعة، لا يحيدون عن المنهاج حتى يلاقوا ربهم. اكتنف ذلك كله عند الحزب وعي على الإسلام ووعي على العالم ومعرفة بتشكلات الموقف الدولي وقراءة واعية لها دون مجاملات ومهادنات.
من أجل هذا كله كان خيارُنا حزب التحرير الرائد الذي لا يكذبُ أهله، فكونوا معنا واعملوا لدولة الإسلام فهي معقد عزنا ومرضاة ربنا وطريقنا إلى الجهاد وتحرير البلاد.
الشيخ يوسف مخارزة – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع