بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بأنها الأمة القائدة التي ستكون شاهدة على البشرية: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾، وهذا الأمر ليس محدودا بوقت معين. فهذه الصفة لم تكن حصرا على المسلمين زمن الرسول ﷺ، بل هي لجميع المسلمين في جميع الأزمان. وطبعا فإن الرسول ﷺ شاهد علينا جميعا. فالله سبحانه وتعالى يحاسبنا بالعديد من الطرق المختلفة. فالرسول ﷺ قال في أحد أحاديثه: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَانِبِهِ» (السيوطي)
لكن على الرغم من هذا فإن الفقر يزداد، والتشرد يزداد، والأمة لا تفي بواجباتها. والآن ها قد مرت 100 عام.
في شباط/فبراير السنة الماضية كنت أستمع إلى الـ بي بي سي، حيث كانوا يجرون مقابلة مع الرئيس الأسبق لمديري الاستثمار في جولدمان ساكس - جيم أونيل، وقد اعترف بأنه لم يعرف كم سيكون فيروس كورونا سيئا، لكنه شدد على أنه لن يدع "أزمة جيدة تضيع دون فائدة". والآن وبعد مرور عام على هذه المقابلة يمكننا أن نرى ماذا كان يعني بذلك:
- بلاد بأكملها الآن تدخل وتخرج من إغلاق إلى آخر (اعتقال منزلي)
- أغلقت الأعمال الصغيرة والمتوسطة
- أغلقت المدارس
- زاد الفقر والاعتماد على المساعدات الحكومية
- ضاعت الحريات والحقوق
- والأغنياء يزدادون غنى - في كل مكان
أما ديفيد نابارو من منظمة الصحة العالمية فإنه يورط الرأسمالية في وصفه لما آلت إليه الأمور هذه السنة: "انظروا ماذا حصل لصغار المزارعين حول العالم. انظروا ماذا يحصل لمستويات الفقر. يبدو أن الفقر في العالم سيتضاعف بحلول السنة القادمة. وعلى الأقل سنعاني من ضعف عدد الأطفال الذين سيعانون من سوء التغذية".
هل هذا كله بسبب الفيروس؟ لا! فمع أو بدون فيروس كوفيد-19 فإن آلة الرأسمالية ستدور مسببة الفقر ودمار الحياة. ولكن السنة هذه أيضا كشفت النفاق والأكاذيب.
فعندما قامت الحكومة البريطانية بحبسنا جميعا في اعتقال منزلي في بيوتنا في آذار/مارس السنة الماضية، سأل أحدهم "ماذا بخصوص أولئك الذين لا منزل لهم؟" - الآلاف الذين ينامون بالعراء في الشوارع كل ليلة! يا له من إحراج. لا يملكون أي منزل ليلتزموا الحجر فيه! حسنا، لم أر حكومة جونسون تتحرك بهذه السرعة. فخلال أسبوع لم يكن هناك أي متشرد في الشوارع في بريطانيا، فقد وضعوا الآلاف في أماكن للإقامة، وذلك لتجنب المشكلة الواضحة في سياساتهم. فقد أظهرت أنه كان بإمكانهم حل المشكلة لو أرادوا ذلك حقا. لكن الرأسمالية لا تعمل بهذا الشكل، فهي لا تتعلق بحل مشاكل البشر، جميع البشر. إنها تعمل فقط من أجل أقلية صغيرة جدا. فواحد بالمئة من السكان يحتكرون 44% من ثروة العالم، بينما يمتلك 50% من السكان فقط 1% من الثروة. وهذه الفجوة المالية تتسع سنة تلو الأخرى.
البعض يتكلم عن الحاجة إلى إعادة تشغيل، أو "إعادة البناء بشكل أفضل". لكن لا توجد أية إعادة تشغيل، لا يوجد في الحقيقة سوى المزيد من الشيء نفسه:
- تكدس الثروة بيد فئة صغيرة
- سياسات مالتوسية لإضعاف وتقليل أعداد السكان
- المزيد من الفقر، بما في ذلك إغلاق الأعمال الصغيرة والحصص الزراعية
- سرقة الثروات من خلال مهن وأسواق مالية متلاعبة
لقد مر 50 عاما منذ أن حصلنا على إعادة تشغيل، إعادة تشغيل الدولار؛ حيث أبعدت أمريكا العالم عن معيار بريتون وودز الذهبي، حيث تراجع الدولار بمقدار 550% منذ ذلك الوقت. لكنهم يستمرون بطباعة المزيد، والمزيد! والآن فقط يمكنهم أن يعدوا تريليونات الدولارات، ليس مليارات ولا ملايين.
إن العالم الرأسمالي يقوم على الدَّين، حيث وبشكل خارج عن السيطرة يوجد ما قيمته 300 تريليون دولار على شكل ديون، غير قابلة للدفع تماما، لكن هذا لا يهم، حيث خططوا إلى استبدال المزيد من النقود الورقية بها.
حيث تخطط البنوك الحكومية المركزية إلى إطلاق عملات رقمية مشفرة لاستبدال والتخلص من النقود التي تملكها. إن التشفير الرقمي لا يزال مثل النقود الورقية، ولا يدعمه ذهب أو فضة. لكنه هذه المرة سيأتي بمعدلات فائدة سلبية - كعقوبة على حمل أي نقود - وهو شكل من مصادرة المال. إنها مصادرة من خلال التضخم أو إجبارك على صرفها بالشكل الذي يريدونه، وإذا لم تقم بصرفه، فإنهم سيستولون عليه من خلال "المعدلات السلبية". وهي في الحقيقة ضريبة أخرى، إضافة إلى القدرة على مراقبة والتحكم بكل مصروفات الجميع.
إن هذا اضطهاد كبير.
لقد قامت الصين بالفعل بإطلاق عملتها الرقمية.
ببساطة لا يوجد هناك أي توقف. فالحروب والتدخلات ضد المسلمين مستمرة على قدم وساق؛ حتى إن منتدى الاقتصاد العالمي تباهى بقيامه بضرب العالم المسلم بشكل أقسى. حيث قالوا مؤخرا: "مع العلم بتعقيدات واحتمالية استمرارية الصراعات الحالية، بحلول 2030 يُتوقع أن حوالي 80% من الفقراء جدا في العالم سيعيشون في مناطق معرفة على أنها ضعيفة - حيث إن أغلبهم سيكونون من دول ذات أغلبية مسلمة، أو من دول فيها نسبة عالية من المسلمين".
وإنه من المخزي جدا أن البلاد الإسلامية التي كانت تُطعم العالم أصبحت الآن غير قادرة على إطعام نفسها بسبب الاحتلال والفساد والسياسات الحكومية، ليست لإطعام البشر بل لإطعام قروض الغربيين كصندوق النقد الدولي. فحسب مؤسسة أبحاث سياسة الغذاء العالمية، فإن حل أزمة الغذاء في بلادنا قدر أنه سيكلف حوالي 7 مليارات دولار. لكن لا أحد يسرع في دفع هذا الثمن الضئيل.
إن منتدى الاقتصاد العالمي يدفع الآن إلى فرض ضرائب جديدة، حتى إنه يقترح ضرائب على الثروات مشابهة لمفهوم الزكاة، حيث قالوا مؤخرا: "لو كانت هناك ضريبة، لنقل، 2% على هذا (النقد المتوفر)، فهذا من شأنه أن يرفع حوالي 1.6 تريليون دولار في السنة". إلا أنهم يريدون فرض ضرائب على الأموال لتغطية ديونهم المصنعة، لطباعة النقود، وليس لإطعام الفقراء!
لقد صُممت الرأسمالية لتكون غير عادلة ولتخلق فقرا أكثر مما تصلح في الحقيقة. وكل اهتمامهم ينصب في الحفاظ على الثروة مركزة ومكدسة بيد القلة القليلة، ومن الحماقة أن نعتقد أن هذا سيتغير يوما ما، أو أن ننتظر منهم حلولا للمشاكل التي تسببوا بها.
وهاكم بعض الأفكار النهائية لنختم بها...
إنه من الحرام أن نعطي السلطة أو القيادة للكافرين: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
إن الويلات التي نشهدها في البلاد الإسلامية وفي الغرب تنبع من غياب الإسلام في حياتنا. فلا يمكن أن يكون هناك اقتصاد إسلامي بدون مجتمع إسلامي، ولا مجتمع بدون حكم الإسلام.
لكننا ها نحن هنا الآن، 100 عام هجرية منذ آخر مرة كانت هناك بيعة في رقبة الأمة لدرعنا الحامي، أميرنا، الخليفة.
إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا في سورة آل عمران: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. فبعد 100 عام، أولويتنا بالطبع هي إقامة الخلافة وإعطاء البيعة للخليفة القادم. لكن ذلك لن يحصل دون طاقة وعمل الأمة لتغيير النظام، وتغيير أنظمة الحكم، بقيادة جماعة مخلصة. فلن تكون هناك أموال حقيقية ملموسة صادقة في العالم قائمة على الذهب والفضة بدون هذا التغيير.
إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي الطريقة الوحيدة في الحياة التي وبشكل قاطع تحرم الربا، كل أنواع الربا، سواء أكانت إيجابية أم سلبية.
إن الدولة الإسلامية، عوضا عن إغلاق الأعمال الصغيرة والحصص الزراعية الصغيرة، فإنها ستشجعها، بمنحهم التسييج وإهدائهم الأراضي والمساعدات بدلا من مصادرتها ومنحها للشركات الكبيرة.
إن الخلافة لن تكون عبئا على الشعب، حيث إنها لن تقوم أبدا بزيادة الضرائب، والزكاة لن يتم استخدامها سوى كما ذكر في القرآن الكريم.
فاللهم أعنّا حتى نفهم دعوتك بوضوح، ونطبقها في حياتنا.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾
جمال هاروود – بريطانيا
رأيك في الموضوع