الكلمة الرئيسية
أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوماً رئاسياً بشأن إجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل، وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22/5/2021، والرئاسية بتاريخ 31/7/2021، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني وأن يتم استكمال المجلس الوطني في 31/8/2021 وفق النظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية بحيث تجرى انتخابات المجلس الوطني حيثما أمكن.
فهل هذا التحرك لإجراء الانتخابات هو تحرك جاد؟ ولماذا جاء في هذا التوقيت؟ وما هو الهدف الذي يراد تحقيقه من هذه الانتخابات؟ وما مدى خطورتها؟ وما هو الواجب تجاهها؟
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات الفلسطينية هي جزء أساسي من اتفاقية أوسلو 2 التي وقعت عام 1995 بين ياسر عرفات وشمعون بيرس وبرعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتتضمن الاتفاقية بنداً خاصاً بالانتخابات حيث ينص على أنه "حتى يحكم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقاً لمبادئ ديمقراطية، ستجرى انتخابات سياسية عامة مباشرة وحرة للمجلس، ورئيس السلطة التنفيذية، وفقاً للأحكام المنصوص عليها في بروتوكول الانتخابات المرفق وأن هذه الانتخابات ستشكل خطوة تمهيدية انتقالية مهمة باتجاه تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة، وستوفر قاعدة ديمقراطية لإقامة المؤسسات الفلسطينية"، ومنذ توقيع الاتفاقية حصلت الانتخابات مرتين؛ الأولى عام 1996 وفاز بها ياسر عرفات وحركة فتح لعدم وجود منافسين، ولم تشارك بها حركة حماس، وعام 2006 وكانت بمشاركة حركة حماس التي فازت بما يقارب ثلثي مقاعد المجلس التشريعي و95% من الدوائر الانتخابية ومن ثم تحولت تلك الانتخابات إلى أزمة سياسية بين الطرفين وصراع على تشكيل الحكومة وانتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة في شهر حزيران عام 2007 وإصدار رئيس السلطة محمود عباس ثلاثة مراسيم هي: إقالة حكومة الوحدة الوطنية التي تقودها حماس بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكيلها، وإعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة تنفذ حالة الطوارئ.
هل هذا التحرك لإجراء الانتخابات هو تحرك جاد؟
يظهر للمتابع أن إصدار المرسوم الرئاسي جاء وفق إملاءات خارجية، فعلاوةً على أن السلطة الفلسطينية مجرد أداة سياسية رخيصة بيد أمريكا وهي أقل شأناً من أن تتخذ قرارات مستقلة خاصة في موضوع الانتخابات الذي انقلبت عليه وكانت دائماً تسعى لعرقلته رغم التنازلات التي كانت تقدمها حماس فيما يتعلق بتمكين الحكومة والإشراف على المعابر وغير ذلك، فقد تحدثت وسائل إعلام عن تلك التوجيهات، ومن ذلك ما أوردته القناة العاشرة العبرية بالتزامن مع إصدار المرسوم الرئاسي وذلك نقلاً عن مسؤول بحركة فتح، قوله "إن السلطة تلقت مؤخراً رسائل من مقربين للرئيس الأمريكي القادم جو بايدن عبروا فيها عن رغبتهم بإجراء انتخابات فلسطينية جديدة بهدف تجديد شرعيتها... وأضافت أن المسؤولين الأمريكيين طلبوا ضخ دماء جديدة في منظومات السلطة الفلسطينية وإقالة المتهمين بالفساد".
وهذا ما يفسر التحرك الإقليمي المحموم لتوفير الرعاية والأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات خاصة من نظام السيسي عميل أمريكا الذي يعتزم جمع الفصائل بداية الشهر القادم لمناقشة سبل إنجاح الانتخابات الفلسطينية، وذلك بعد أن وافقت حركة حماس أن تكون الانتخابات على التوالي بعد أن كانت متمسكة ومتشبثة بإجرائها على التوازي في تخوف من سيناريو عام 2006! أي أن ما يحصل إلى اللحظة هو تحركات جدية بتوجيهات أمريكية ورعاية إقليمية وانصياع من السلطة ورئيسها قد تترجم هذه التحركات إلى فتح صناديق الاقتراع أو قد تموت وتدفن في إحدى مراحلها.
ما هو الهدف الذي يراد تحقيقه من هذه الانتخابات؟
إن الهدف الرئيس من هذه الانتخابات هو تجديد شرعية السلطة ومنظمة التحرير، خاصة في ظل الرصيد الشعبي الصفري والسقوط المدوي لشعبية السلطة والمنظمة واتساع حجم الهوة بين السلطة والمنظمة وبين أهل فلسطين، أما تجديد الشرعية فالهدف منه سياسي وهو التوطئة لاستئناف السير في مشروع الدولتين والعودة للمفاوضات شريان حياة السلطة، بعد ذهاب ترامب وصفقته المشؤومة واستلام إدارة بايدن لمفاتيح البيت الأبيض، وهذا ما يفسر التوقيت الذي جاء فيه المرسوم الرئاسي من رئيس السلطة، ورغبتها باستئناف السير في مشروع الدولتين.
وهو ما عبر عنه أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، حيث قال "إن الرئيس بايدن يرى أن التسوية الوحيدة للصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" والقابلة للاستمرار هي حل الدولتين، ولكنه شكك بإمكان تحقيق هذا الحل على المدى القصير ودعا بلينكن "الإسرائيليين" والفلسطينيين فوراً إلى تجنب اتخاذ خطوات تزيد هذه العملية تعقيداً".
أي أن التوجه السياسي لإدارة بايدن سيكون بإعادة تحريك المياه الراكدة واستئناف المفاوضات واللقاءات بين السلطة وكيان يهود، وهو ما يستلزم إعادة ترتيب أوراق السلطة وتجديد شرعية المنظمة بانتخابات مدروسة يتم من خلالها إشراك حركة حماس في "اللعبة" السياسية التي ستفضي عبر المفاوضات المزمعة إلى مزيد من التفريط والتنازل عن معظم فلسطين وفق اتفاقية أوسلو.
ما مدى خطورة هذه الانتخابات؟
إن خطورة الانتخابات تكمن في أنها متطلب للمفاوضات والتنازلات لا للتحرير والمقاومة، فالهدف من الانتخابات هو إفراز قيادة منتخبة تفاوض على ما تبقى من فلسطين، تلك المفاوضات العبثية التي ستدور في حلقة مفرغة يتلهى بها المفاوضون ومن هم على نهجهم، وفي المقابل يتوسع الاستيطان ويتعزز وجود كيان يهود في الأرض المباركة، والأخطر من ذلك هو الاستمرار بفصل قضية فلسطين عن عمقها الإسلامي بإعادة تفعيل شعار "منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لأهل فلسطين" لتحييد الأمة الإسلامية وجيوشها حتى لا تتحرك بحجة وجود من يمثل القضية ومن يدافع عنها واحتمالية توافق الطرفين على تقاسم الأرض وإنهاء الصراع.
ما هو الواجب تجاه هذه الانتخابات؟
إن الواجب على أهل فلسطين هو عدم المشاركة في جريمة الانتخابات وتجديد الشرعية لمنظمة التحرير، والعمل على تعريتها سياسياً ورفع الغطاء والشرعية الباطلة عنها وعن سلطتها المجرمة وأنها لا تمثل قضية فلسطين ولا أهل فلسطين، وفي المقابل إعادة القضية إلى عمقها الإسلامي والعمل على تحميل الأمة مسؤوليتها وواجبها بتحريك الجيوش لتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود من جذوره.
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع