أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الأربعاء 26/8/2020م، برئاسة لاشين إبراهيم، نائب رئيس محكمة النقض، بيانا تعلن فيه قرارها إحالة جميع الناخبين المتخلفين عن التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ، التي جرت جولتها الأولى في 11 و12 آب/أغسطس (الماضي)، ويبلغ عددهم أكثر من 52 مليون مواطن للنيابة العامة. وتبلغ غرامة التقاعس عن التصويت في الانتخابات 500 جنيه مصري (28 يورو) بحد أقصى. (فرانس 24)
شهدت مصر خلال انتخابات مجلس الشيوخ الماضية عزوفا واضحا عن التصويت شمل حتى مؤيدي النظام رغم قلتهم، ولم تفلح إغراءات المرشحين وأموالهم في جذب الناخبين للذهاب إلى لجان التصويت والاقتراع، الأمر الذي يهدد العملية الانتخابية القادمة لمجلس النواب، فعندما يكون عدد الأصوات الفعلية التي تم حصرها وتأكيد تصويتها لا يتجاوز حاجز التسعة ملايين في بلد تعداده 100 مليون نسمة وعدد من لهم حق التصويت يقترب من 63 مليون شخص، ونعرف جميعا كيف تم جمع وإحصاء عدد المصوتين فعليا في انتخابات تسيطر عليها البلطجة والرشوة وشراء الأصوات، ما يعني أن هناك عزوفا واضحا عن ممارسة الحياة السياسية في ظل هذا النظام حتى من مؤيديه والمنتفعين من وجوده!
النظام الذي أقصى جميع معارضيه ومنافسيه في السلطة امتدت يده لتحكم قبضتها على اقتصاد البلاد لتؤسس لاقتصاد جديد يتحكم فيه كبار قادة العسكر ممن ولاؤهم للنظام، وتمتد قبضتهم شيئا فشيئا لتشمل المزيد والمزيد من المشاريع العملاقة وحتى الصغيرة منها، الأمر الذي هدد ويهدد الكثير من أصحاب الأعمال الحرة الذين لا يعملون مباشرة مع النظام وإن كان أغلبهم من مؤيديه المنتفعين من وجوده والحريصين على بقائه، فأصبح النظام ينافسهم في أعمالهم ومشاريعهم منافسة غير عادلة مطلقا فلا يتحمل ما يتحملون من أعباء، ولا يعاني ما يعانون من مشكلات، بل أصبح يطاردهم في أماكن بيعهم ويضع مكانها أسواقه، ويوقف أنشطتهم وتراخيصهم ليلجأ الناس لشراء ما لديه، في صورة واضحة لمفهوم الدولة الرأسمالية التي يحكمها لصوص.
في الوقت نفسه ومع القبضة الأمنية والآلة القمعية التي يفرضها النظام، لا يوجد على الساحة السياسية، أو لا يرى الناس من يملك حلولا ويستطيع التصدي لهذا النظام، وكل من يقدمون أنفسهم للعمل السياسي هم ممن يرضى عنهم النظام ليس غير، ومن يملكون الحلول الفعلية أصواتهم خافتة بالكاد تصل إلى مسامعهم.
فعزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات أمر طبيعي، فحتى من لا يدرك أن المجالس النيابية الرأسمالية لا نفع منها ولا حاجة لها أصبح يدرك أن المرشحين لها لعبة في يد النظام وخدم عند رأسه، وتلويح النظام بالغرامة ليس أمرا جديدا إذ طالما لوح بها مع كل استحقاق انتخابي فشل في حشد الناس له، والتلويح الآن هو لتخويف الناس قبل انتخابات مجلس الشعب التي ستجرى خلال الشهور القليلة المقبلة، فلربما يؤتي هذا التهديد والتخويف ثماره فيخرج الناس للتصويت، إلا أن هذا التهديد ليس الأول ولن يكون الأخير أمام عزوف الناس عن المشاركة فيما يرونه عملا سياسيا بلا فائدة. وربما يطبق النظام الغرامة لو استطاع من باب سعيه لزيادة ما يحصله من الناس من أموال يسدد بها أعباء وخدمات قروضه من البنك الدولي.
إن هذا النظام لا يرقب في أهل مصر إلا ولا ذمة ولا يعبأ حتى بمؤيديه إلا بقدر خدمتهم لمصالحه وتثبيتهم لسلطانه وقوائمه المعوجة، وقد آن للمغيبين والمخدوعين أن ينفضوا أيديهم منه قبل أن يفعل بهم ما فعل بمن سبقوهم في خدمته، عظة وعبرة، فلا صوت يعلو فوق صوت الانبطاح، وانظروا حولكم إلى شركاء الخيانة والعمالة ممن يحتمل منافستهم لرأس النظام وأخبرونا أين هم وما هو مصيرهم؟!
يا أهل الكنانة! إن عزوفكم عن التصويت فضح النظام الذي أقر بذلك ليهددكم ويتوعدكم لتشاركوا فيما هو قادم، ولكنكم أوعى من ذلك وأكبر، وإننا ندرك يقينا أن عزوفكم عن المشاركة السياسية نابع في أصله من عقيدتكم التي ترفض المشاركة في عمل سياسي على غير هدي دينكم، وفي ظل نظام يعاديه ويعلن الحرب عليه، حتى وإن لم تدركوا هذا حقيقة، إلا أنه يبقى واقعا مرتبطا بفطرتكم وبيئتكم، وإننا نعلم بما خبرناه منكم أنكم تتلفتون بحثا عمن يحمل لكم النور المنبثق من عقيدتكم؛ مشروعا حضاريا عظيما جاهزا للتطبيق فورا؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، دولة تخرجكم من ظلمات الرأسمالية إلى عدل الإسلام، مشروعا نعلم كما يعلم الغرب وعملاؤه أنكم ستقفون خلف من يحملونه لكم فورا وسيكون القوة التي تدفعكم نحو تغيير حقيقي لواقع مصر والأمة كلها.
حقيقة لا مراء فيها؛ لن يجد النورَ من يستضيء بنار الغرب وعملائه، ولن يحصل على السكينة من ركن إليهم، ولن يشبع مَن أكل على مائدتهم وصار خبزه من بين أيديهم، وإننا نربأ بالمخلصين في جيش الكنانة أن يكون قرارهم في يد الغرب وعملائه، وأن يكون تحركهم تبعا لما يخدم مصالحهم لا ما يخدم دينهم ويرعى مصالح أمتهم.
أيها المخلصون في جيش الكنانة! إن هذا العزوف عن المشاركة الانتخابية رسالة واضحة المعالم موجهة لكم أنتم دون غيركم فأنتم من يعول عليهم في أي تغيير ممكن أو محتمل، وأنتم من يركن النظام إليهم ويهدد بهم معارضيه ومنافسيه بل وكل من يرفض قراراته الكارثية، وقد سمعنا جميعا رأس النظام وهو يهدد الناس بكم بعد أن وضع حواجز كثيرة بينكم وبينهم وأوهم الناس أنكم منه وأنكم حماته وأدواته، وألهاكم بامتيازات واستثمارات شغلتكم عن واجبكم ليضمن بها ولاءكم وصمتكم على جرائمه في حق أمتكم.
أيها المخلصون في جيش الكنانة! سيظل هذا النظام يعطيكم ليرهب بكم مصر وأهلها حتى يستنفد ما لديكم وعندما تنتهي حاجته عندكم ستكونون عبئا يسعى للخلاص والتخلص منه كما فعل ويفعل مع غيركم والأمثلة تعرفونها، فما الذي يدعوكم للانحياز له والانفصال عن أمتكم والبقاء سيفا مسلطا على رقاب أهلكم في أرض الكنانة؟! إن الله سائلكم ومحاسبكم فجهزوا جوابكم!
أيها المخلصون في جيش الكنانة! إن خلاص مصر بكم وبأيديكم، ويكمن في انحيازكم لأمتكم ومشروعها المنبثق عن عقيدتها القادر على النهوض بها نهضة حقيقية؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، وواجبكم هو نصرته ومن يحمله نصرة حقيقية تضعه موضع التطبيق فيرضى عنكم ربكم وتكونوا أنصار الله ورسوله ودولته كما كان أنصار الأمس، وتنتصر بكم أمتكم وتقام دولتكم ويعم عدلها ونورها أرجاء الأرض... اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع