في خطابها بتاريخ 19/9/2019م إلى مديري الجامعات الحكومية والمعنون (ترشيح مدير للجامعة)، والذي ورد فيه نصاً الآتي: (أرجو التكرم مشكورين ترشيح مدير للجامعة بالتشاور مع الأساتذة وذلك حسب المعايير الأكاديمية المتبعة في اختيار مديري الجامعات مع مراعاة أن يكون مؤمنا بميثاق الحرية والتغيير والعدالة وألا يكون له نشاط سياسي صارخ آملين موافاتنا بترشيحكم خلال فترة أسبوع من تاريخ الخطاب. التوقيع أ.د. انتصار صغيرون الزين - وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي). وكانت الوزيرة في خطابها بجامعة أم درمان الإسلامية يوم الثلاثاء 17/09/2019م، قد توعدت مدراء الجامعات، وعمداء الكليات، بالكنس، والكسح، والمسح، بسبب ولائهم للنظام البائد، وعلى خلفية ذلك تقدم مدراء 32 جامعة حكومية باستقالاتهم. وفي خطابها أعلاه، تشترط وزيرة التعليم العالي على مدراء الجامعات أن يكونوا مؤمنين بميثاق الحرية والتغيير، أي أن المعيار لتولي الوظيفة الإدارية العامة هو الولاء، بل فوق الولاء، الإيمان بميثاق الحرية والتغيير. إنها العقليات نفسها لهذا الوسط السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الذي صنعه الغرب الكافر في بلاد المسلمين، فهو وسط عاطل عن أي قيمة، لذلك يقولون ما لا يفعلون، ففي الوقت الذي عابوا فيه على النظام السابق واحدة من أكبر جرائمه في حق البلاد والعباد، ألا وهي سياسة التمكين؛ حيث كان لا يعين في أية وظيفة قيادية أو أية وظيفة مرموقة إلا أصحاب الولاء، هذه السياسة هي التي شردت الكفاءات والفنيين وأصحاب الخبرات، بحجة عدم ولائهم للنظام، فانعكس ذلك على واقع الخدمات فانحدرت إلى درك سحيق. أعابوا ذلك على النظام السابق وما إن جلسوا على كراسي الحكم حتى رجعوا في قيئهم، وطفقوا يتبنون سياسة التمكين بلسان وزيرة التعليم، حسب مواثيق الحرية والتغيير التي اشترطوها للوظائف العامة.
إن هذه الوزيرة لم تكتف بطلب الالتزام بميثاق الحرية والتغيير بل تطلب الإيمان به، وكأني بها لا تدرك ماهية الإيمان والذي هو (التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل)، لذلك فإن التصديق عن غير دليل لا يكون إيمانا. أما حقيقة إعلان الحرية والتغيير، الذي تم التوقيع عليه يوم الثلاثاء 1/1/2019م في خضم ثورة أهل السودان المختطفة، فقد نص على الآتي: (التنحي الفوري للبشير ونظامه - تشكيل حكومة كفاءات انتقالية تقوم بالآتي: (وقف الحرب - وقف التدهور الاقتصادي عمل ترتيبات أمنية لإكمال السلام - ضمان استقلال القضاء وسيادة القانون - محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة - دعم الدولة للصحة والتعليم والإسكان - إقامة مؤتمر دستوري).
هذه هي حقيقة إعلان الحرية والتغيير، وهو لا يحتوي على فكرة تتطلب الإيمان بها، بل إنها مجموعة أفكار عملية لقيطة مأخوذة من حضارة الغرب الكافر، المبنية على عقيدة فصل الدين عن الحياة، فهنالك فرق بين الأفكار التي تتطلب الإيمان، أي العقائد، وبين الأفكار العملية التي هي أحكام للالتزام بها أي التطبيق والتنفيذ، لكن لا ينبغي لمن كان ينزعج من المذاهب الأربعة أن يدرك ذلك (وكانت الوزيرة في مقابلة تلفزيونية ذكرت أنها تنزعج من المذاهب الأربعة بحجة أن الإسلام واحد)، فإن كان ثمة طلب للإيمان كان حريا بها أن تطلب الإيمان بعقيدة فصل الدين عن الحياة فهي حقيقة الرحم الذي خرج منه ميثاق الحرية والتغيير، وهي ما يستمرون في تأسيس الحياة على أساسه أي العلمانية؛ التي كانت ملتحية عند النظام البائد.
انظروا إلى هؤلاء الساسة الأقزام الذين يستعْدون شعوبهم، ويطلبون منهم الولاء بل الإيمان بأفكارهم الباطلة، نظير الوظيفة العامة، وقارنوا بينهم وبين الرجال العاملين لتصحيح بوصلة الحياة، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام العظيم؛ الرجال الذين استنبطوا من الإسلام أرقى فكر يؤسس لحياة طيبة مطمئنة، ومن ذلك ما جاء في المادة (98) في دستور دولة الخلافة - الذي أعده حزب التحرير -بشأن الوظيفة العامة والتي تنص على الآتي: (لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية، رجلا كان أو امرأة، مسلما كان أو غير مسلم، أن يعين مديرا لأي مصلحة من المصالح، أو أية دائرة أو إدارة، وأن يكون موظفا فيها) فمعيار الوظيفة العامة هو الكفاءة ليس غير، ولا اعتبار للإيمان بأي فكرة حتى الدين الحق، دين الإسلام العظيم. إن السياسيين الذين يقومون على تطبيق مبدأ الإسلام العظيم قدوتهم هو رسول الله e الذي قال لأهل مكة الذين آذوه وشردوه وقتلوا أصحابه في لحظة ضعفهم: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، روى البيهقي في الشعب عنعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال: "لا يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ إِلا حَصِيفُ الْعَقْلِ، أَرِيبُ الْعُقْدَةِ، لا يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ، وَلا يُحْنَقُ عَلَى جَرَةٍ، وَلا تأْخُذْهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ"قال ابن الأثير في النهاية لا يحنق على جرّته أي لا يحقد على رعيته.
إن التغيير الحقيقي الذي تنشده الأمة لا يلتمس إلا بالعمل مع العاملين لإيصال الإسلام إلى سدة الحكم، والذي يقوم على أمره رجال يختلفون في عقلياتهم ونفسياتهم ومعالجاتهم عن هذا الوسط السياسي العلماني المرتبط بالغرب الكافر المستعمر، فهم الذين يقولون ما لا يفعلون. ألا فليشمر كل مسلم مخلص عن ساعد الجد فإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟!
بقلم: الأستاذ حاتم جعفر (أبو أواب) – الخرطوم
رأيك في الموضوع