جاء رفض معتقلين مصريين مؤخرا إخلاء سبيلهم، خوفا من المصير المتوقع الذي ينتظرهم من إخفاء قسري أو تدويرهم في قضايا جديدة أو تصفيتهم جسديا، ليعكس صعوبة الوضع حتى خارج السجن في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليتحول إخلاء السبيل من أمنية أي سجين، إلى رمز للهلع والخوف مما ينتظر المفرج عنه من وضع أسوأ مما كان عليه. بحسب ما نشره عربي 21 الخميس 25/7/2019م، كما نقل عن الحقوقي "هيثم أبو خليل" مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسانأن هناك من أخلي سبيله وتم وضعه فيما يسمى "الثلاجة" بمقار الأمن الوطني، وهي عبارة عن مكان يتم وضع المخلى سبيلهم فيه، أماكن احتجاز غير معلومة وغير قانونية، ثم يتم إظهاره في قضية أخرى، كما حدث مع أنس البلتاجي وغيره لاتهامه من جديد أو قتله وتصفيته كما حدث لأعداد كبيرة من قبل.
ما يعانيه أهل مصر في ظل هذا النظام ورأسه يفوق الاحتمال، فما بين معتقلات مفتوحة وقوائم تهم جاهزة، وإعدامات على أشباه قضايا وتصفيات حتى خارج إطار قانونهم المفصل لكل المعارضين وحتى المنافسين في العمالة، وما بين القرارات الكارثية التي تضع على أهل مصر أعباء فوق أعبائهم وتزيد فقرهم وعوزهم، إلا أن ما يعانيه أهل مصر ليس بجديد، وإن فاق حدوده الآن؛ فمنذ عقود خلت والحال ينحدر بهم من سيئ إلى أسوأ، لا يمر يوم أفضل من سابقه أو حتى مثله، هذه الأوضاع هي التي أخرجت الناس لخلع مبارك في ثورة يناير رغم أنها لم تصل حينها لهذا المستوى المزري، ولأن رأس النظام ومن خلفه يدركون هذا ويدركون أن هذا المستوى من التدني والفقر لم يحدث حتى أيام مبارك، وأن رأس النظام هذا ماض في غيه وخدمة سادته في البيت الأبيض ما وسعه ذلك، كان إرهاب الناس وقمعهم هو الخيار الوحيد أمام هذا النظام ورأسه بكل الوسائل والأساليب، بل لقد فاق سلفه في الإجرام وكأنه ينتقم من أهل الكنانة على ثورتهم وخلعهم لعميل أمريكا السابق، فأصبحت مصر كلها أشبه بمعتقل كبير تنتشر فيه عيون النظام ودورياته وسلاحه المشهر دوما في وجوه الناس، ناهيك عن مراكز وأقسام الشرطة التي تحولت إلى قلاع، وكأن أصحابها يتجهزون لحرب مع الناس، ولهذا فلم يعد الوضع خارج السجون بأفضل حالا منه داخلها، إلا أن النظام يدرك أن كل هؤلاء مظلومون مقهورون وكلهم ملوم قد فقد عزيزا عليه في السنوات الماضية على يد هذا النظام. وهؤلاء لا التقاء لهم مع هذا النظام فكلهم قنابل موقوتة حتما ستنفجر فيه، ولهذا فخروجهم بين الناس غير مأمون العاقبة وينذر بكوارث، فطور النظام أساليبه القديمة؛ فكان الإخفاء القسري ثم تلفيق التهم وإجبارهم على الاعتراف عليها تحت التعذيب بجرائم لم يرتكبوها، وتمت وهم داخل سجونه وربما لم تحدث أصلا، كما حدث مع الشباب التسعة الذين أعدمهم النظام بدعوى اغتيالهم للنائب العام رغم عدم وجود أدلة تدينهم إلا اعترافات أخذت منهم تحت التعذيب كما أخبروا القاضي الذي لم يسمع لهم ولم ينظر في شكواهم! لهذا أصبح البقاء داخل السجون الرسمية كمعتقل أفضل بكثير من إخلاء سبيل يبقى صاحبه في ثلاجة أمن الدولة حتى تتم تصفيته في مواجهة أو يلفقوا له قضية أخرى، وإن خرج فربما يختطف ويختفي أيضا إلى أن يروا فيه رأيهم كما حدث مع الحقوقي عزت غنيم وغيره.
إن الأمان المفقود هو الذي دفع هؤلاء المعتقلين إلى رفض الخروج إلى أهلهم وتفضيلهم البقاء داخل السجون إلى أن يقضي الله أمره، فهذا النظام الذي قتل وحرق ودهس لا يرقب في أهل مصر إلا ولا ذمة ولا أمان له ولا عهد.
يا أهل مصر الكنانة! إن النظام الذي يحكمكم ورأسه وبطانته ليسوا من جنسكم بل هم منفصلون عنكم وغايتهم ليست رعايتكم بل رعاية مصالح الغرب في بلادكم والحيلولة دون انعتاقكم من تبعيته مهما كلفهم ذلك ولو داسوكم بالمجنزرات وأحرقوا جثثكم وحملوها بالجرافات إلى مقابر جماعية، وقد فعلوا ذلك وأكثر؛ فهم أشد عداوة لكم من عدوكم نفسه وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، فلا تأمنوهم فإنهم أهل الخيانة والعمالة، لا دين لهم ولا عهد، وقد جربتموهم لعقود خلت لم تروا منهم خيرا، وما يقومون به من قمع وإرهاب لا يدل على قوتهم وليس شجاعة منهم بل يدل على جبنهم وهلعهم من ثورتكم القادمة التي يعلمون أنها لن تبقي لهم ولن تذر، وأقصى أمانيهم الآن هو تأخيرها أو الالتفاف عليها وسرقتها حين قيامها لصالح سادتهم في البيت الأبيض، وإنكم أقوى منهم بكثير وإن لم تدركوا حجم قوتكم تلك. ولا ينقصكم سوى أمرين؛ الأول: مشروع بديل لهذا النظام ينبثق عن عقيدتكم الإسلامية يحمله رجال قادرون على تطبيقه فورا وعلاج كل مشكلاتكم وأزماتكم به وهم بينكم تعرفونهم ويعرفونكم وما كذبوكم؛ إخوانكم شباب حزب التحرير، والثاني: نصرة صادقة من المخلصين في جيش الكنانة يعلن بها إخوانكم وأبناؤكم انحيازهم لأمتهم، وينظفون صفوفهم من الخونة والعملاء والمرتزقة، ويسترجعون سلطان الأمة من هؤلاء الحكام ويقطعون يد الغرب العابثة في بلادنا ويسلمون زمام البلاد والعباد للرجال المخلصين الواعين القادرين على تطبيق الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فتقام بكم وبهم الدولة التي تعيد الأمن وتنشر الأمان وتقيم ميزان العدل في الأرض... اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها، اللهم آمين.
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع